للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أبو شامة والتتار]

وتستكين دمشق للتتار، ولم يعد يعلو فيها إلا صوت مؤيد أو خانع، وربما كانت أبيات أبي شامة التي نظمها في رثاء الكامل بن غازي صاحب ميافارقين تتناقلها ألسنة الناس في خفوت حتى تناهت إلى مسامع التتار، أو أحد أعوانهم المخلصين، ولربما أطلق أبو شامة، وهو مفتي الشام، والصادع بالحق، لسانه فيهم في مجالسه الخاصة، فإذا بنائب التتار في دمشق إيل سبان يستدعيه في يوم (١٤) رمضان سنة (٦٥٨ هـ/ ١٢٦٠ م) إلى قلعة دمشق، ويهينه على رؤوس الملأ إهانة بالغة، مستبيحا هيبة العلم، وما ينبغي لمثله من الاحترام والتوقير، بل إنه كيدا بأبي شامة يطلب منه أن يكتب لهم كتابا بخطه، يلتزم لهم فيه دفع مبلغ كبير من المال ظلما وقهرا، متذرعا بذلك إلى قتله إن عجز عن إيفائه (١).

وكان أبو شامة قد أصاب في عزلته شيئا من الغنى من عمله في فلاحة بستانه وزراعته، وفاض الخير عليه منه، وغدا منزله ذا غلال وافرة، ويبدو أن مساحة بستانه قد اتسعت حتى احتاج فيه إلى أناس يساعدونه في زراعته، بل صار بستانه مثابة للفقير واليتيم والأرملة، يقفون على بابه ليأخذوا نصيبهم من صدقات محصولاته (٢)، غير أن المال الذي ألزمه التتار بدفعه لا تفي به ثروته الصغيرة.


(١) «المذيل»: ٢/ ١٥٣.
(٢) «المذيل»: ٢/ ١٨٢.

<<  <   >  >>