للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت دمياط في ذاكرته وقلبه منذ حاصرها الصليبيون سنة (٦١٥ هـ/ ١٢١٨ م) يومها راح يتتبع أخبار حصارها الآثم، وصمودها الرائع، ثم سقوطها المفجع تحت سنابك خيل الصليبيين في (٢٥) شعبان سنة (٦١٦ هـ/ ١٢١٩ م) وما يزال يذكر ألم شيخه السخاوي، وهو يصف له برجها العظيم، برج السلسلة (١).

ها هو الآن في دمياط، وقد تطهرت من دنس الصليبيين سنة (٦١٨ هـ/ ١٢٢١ م)، وها هو الآن يقف أمام برجها العظيم، قفل مصر، فيراه كما وصفه شيخه حقا.

ويزور فيمن يزور شيخ دمياط أبا الحسن بن قفل، وهو ممن عاش محنتها، فإذا هو شيخ كبير، كان يحكي لكل من يزوره ما فعل الصليبيون بدمياط وقت استيلائهم عليها، كان أهلها قد فتحوا لهم أبوابها بعد أن عجز سلطانهم الكامل عن نصرتهم، مغترين بما بذل لهم الصليبيون من الأمان، حتى إذا رفعوا أعلامهم على سورها، غدروا بأهلها، ووضعوا فيهم السيف قتلا وأسرا، وباتوا تلك الليلة يفجرون بالنساء، وأخذوا منبر جامعها، وكان من الأبنوس، والمصاحف، ورؤوس القتلى، وبعثوا بها إلى بلادهم آية على انتصارهم، وحولوا جامعها كنيسة (٢).

كان الشيخ يحكي، وأبو شامة يصغي، ودمياط تحاول لملمة أحزانها وجراحها وقد مضى على محنتها نحو عشر سنين.

* * *

وينتقل أبو شامة في جمادى الآخرة إلى القاهرة، ويقيم فيها نحو خمسة أشهر (٣)، ولعل أول من زار فيها قبر الإمام العالم الزاهد أبي القاسم الشاطبي في القرافة بتربة سارية (٤)، وما تزال في سمعه أحاديث شيخه السخاوي وكان من


(١) انظر ص ٣٢ من هذا الكتاب.
(٢) «المذيل»: ١/ ٣١٥.
(٣) «المذيل»: ٢/ ٢٣.
(٤) «المذيل»: ١/ ٦٠.

<<  <   >  >>