أجل أصحابه - عن زهده وورعه وعلمه، وقد كانت قصيدته في القراءات «حرز الأماني» من أوائل ما حفظ بعد كتاب الله (١)، هذه القصيدة التي نبغت في آخر الدهر أعجوبة لأهل العصر، وكل عصر، فنبذ الناس سواها من مصنفات القراءات، وأقبلوا عليها لما حوت من ضبط المشكلات وتقييد المهملات، مع صغر الحجم وكثرة العلم، وكان شيخه السخاوي هو الذي شهرها بين الناس، وبين معانيها، وكم قرأ هذه القصيدة بين يدي شيخه، وكم سمعها منه، وفي كل مرة كان ينفتح له من فوائدها باب، ومن معانيها ما لم يكن في حساب، وقد اختصه شيخه فيها بمعاني لم يودعها كتابه حين شرحها، ولم يعرفها أصحابه (٢).
ويجد عند أصحاب الشاطبي، ومن قرأ عليه من الإعجاب به مثلما كان يجد عند شيخه السخاوي، فيقول:
رأيت جماعة فضلاء فازوا … برؤية شيخ مصر الشاطبي
وكلهم يعظمه ويثني … كتعظيم الصحابة للنبي (٣)
ومن هؤلاء الأصحاب - الذين التقاهم أبو شامة - الشيخ أبو الطاهر محمد بن الحسين بن عبد الرحمن الجابري، من ولد الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري ﵁.
وكان الجابري يخطب في جامع عمرو بن العاص (٤)، فكان أبو شامة - وقد أعجب بتدينه - يجتمع به كلما سنح له الوقت، ولربما طلب الجابري من أبي شامة، وقد عرف منزلته في العلم أن يقرئ في الجامع شيئا من علوم العربية، فكان ممن
(١) انظر ص ٢٤ من هذا الكتاب. (٢) «إبراز المعاني من حرز الأماني»: ١/ ١٠٧. (٣) «غاية النهاية»: ٢/ ٢١. (٤) «المذيل»: ٢/ ٣٦٣٥.