بيد أن الكامل لم يمتع في انتصاره، إذ لم يمض على استيلائه على دمشق سوى شهرين ونصف تقريبا، حتى وقع فريسة مرض شديد أدى إلى وفاته في أول ليلة الخميس (٢٢) رجب سنة (١)(٦٣٥ هـ/ ١٢٣٨ م) وحيدا في غرفة صغيرة بدار العقيقي، لم يؤنس وحشة ساعته تلك أحد من أمرائه، وحاشيته لشدة هيبته، ولم يعلموا بموته إلا حين دخلوا عليه، فلم يحزن عليه أحد (٢).
وسارع الأمراء، وابنا شيخ الشيوخ: عماد الدين وفخر الدين إلى الاجتماع، كي يتشاوروا فيمن يخلف الكامل في دمشق، وانفض اجتماعهم دون أن يصلوا فيه إلى قرار.
وتفاءل أهل دمشق بقرب رجوع ملكهم الناصر داود بن المعظم عيسى حاكما عليهم، وكان الناصر في دار سامة الجيلي، فأرسل إليه أمير أبيه عز الدين أيبك ناصحا له بالمسارعة في كسب ولاء أمراء أبيه المعظم، قائلا له: أخرج المال، وفرقه في مماليك أيبك، والعوام معك وتملك البلد، ويبقى أمراء الكامل في القلعة محصورين. إلا أن الناصر داود أبطأ في فهم الرسالة.
وما إن أطل صباح يوم الجمعة حتى أعلن أمراء الكامل وفاته، واجتمعوا ثانية في القلعة، وتداولوا فيما بينهم، وكانت الآراء تحوم حول الناصر داود والجواد يونس بن مودود بن العادل، وكان عماد الدين بن شيخ الشيوخ يكره الناصر داود لما كان يظهره الناصر من الاستخفاف به في مجالس الكامل، وكان أخوه فخر الدين بن شيخ الشيوخ يميل إليه، غير أن كفة عماد الدين كانت الأرجح في ميزان الآراء، فتم الاتفاق على الجواد يونس.
وأرسل أمراء الناصر داود الموالون له يخوفونه المقام بدمشق، قائلين له: قم واخرج، أيش قعودك في بلد القوم؟ فركب الناصر داود من باب دار سامة، واتجه نحو القلعة، فظن أهل دمشق أنه طالع إليها، وقد تم له الأمر، فلما رأوه ينحرف