للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القريب، وقد ساد فيهم وفاق الأصدقاء، وكأن دماء لم تسفك ودورا لم تخرب، ويحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام إلى قلعة دمشق، مسلما على السلطان الكامل، فيكرمه الكامل غاية الإكرام، ويجلسه إلى جانبه، وكان أخوه الصالح إسماعيل يقف خلفه، ويسأل الكامل الشيخ عز الدين، وهو يشير إلى الصالح: إن هذا له غرام برمي البندق (١)، فهل يجوز ذلك؟ ويجيب الشيخ عز الدين بهدوء: بل يحرم عليه، فإن رسول الله نهى عنه، وقال: «إنه يفقأ العين ويكسر العظم» (٢).

وربما تساءل الشيخ عز الدين في سره: رمي البندق يحرم، ولكن هل يحل رمي المجانيق، وحرق الناس في دورهم؟ ويبدو أن الشيخ عز الدين آثر الصمت في هذه المرة، وربما كان يتمزق من الغيظ، وهو يلقي درسه الأول في الزاوية الغربية من جامع دمشق بعد أيام من لقائه مع الكامل (٣).

* * *


(١) البندق كرات تصنع من الطين أو الحجارة أو الرصاص أو غيرها، وهي فارسية بلفظها واستعمالها، فقد اقتبسها العرب عنهم في أواخر خلافة عثمان ، وكانوا يرمون هذا البندق عن الأقواس كما يرمون النبال، ثم صار لها شأن كبير في أيام العباسيين، وبخاصة في أيام الخليفة الناصر المتوفى سنة (٦٢٢ هـ/ ١٢٢٥ م) إذ جعل رميها فنا لا يتعاطاه إلا الذين يشربون كأس الفتوة - وكان يحتوي الماء والملح - ويلبس سراويلها من الخليفة مباشرة أو من أحد رسله بالوكالة. وقد تفننوا في رمي البندق بالأنابيب، وذلك بضغط الهواء من مؤخرة الأنبوب بما يشبه أنابيب البنادق.
ولما اخترع البارود صار يرمى به من تلك الأنابيب، وسميت هذه الآلة بندقية نسبة إليه. انظر «مفرج الكروب»: ٣/ ٢٠٧ حاشية رقم (١) نقلا عن «تاريخ التمدن الإسلامي» لجرجي زيدان: ج ٥/ ١٥٩ - ١٦٠، و «الروضة الندية» لصديق حسن خان: ٢/ ١٨٧.
(٢) كذا رواه العز بن عبد السلام، والحديث في كراهية خذف الحصى والنهي عنه، ولفظه: «ولكنها تفقأ العين، وتكسر السن». أخرجه البخاري (٤٨٤١)، ومسلم (١٩٥٤) (٥٥) من حديث ابن مغفل، وهو في مسند أحمد (٢٠٥٦١).
(٣) «طبقات الشافعية» للسبكي: ٨/ ٢٤٢ - ٢٤٣.

<<  <   >  >>