١٢٣٧ م)، وينزل قرب دمشق عند مشهد القدم، وتحدق عساكره بها، ويقطع المياه عنها، ويشدد حصارها، فترتفع الأسعار، ويستعد الصالح إسماعيل للدفاع عن نفسه، فينصب المجانيق على أبواب دمشق، وكيلا يدع لجيش الكامل موطئ قدم قرب أسوارها أمر بتخريب ما حول السور من دور ومساكن وطواحين، وترمي مجانيقه بصخورها الصم على أهل دمشق خارج السور، فتخرب العقيبة والطواحين خرابا شنيعا، وتحرق قصر حجاج والشاغور، ويتفنن الصالح إسماعيل بالعيث في التخريب، ومصادرة الناس، وكأنه يرى أن لا بقاء له بدمشق إلا بإحراقها، فذاقت دمشق على يديه من الموت والخراب ما لم تذقه من الجيش المهاجم، وأصبح سكان تلك الأماكن مشردين على الطرقات يستجدون، وبعضهم آثر الموت في داره (١).
وحين ألقيت للصالح إسماعيل بعلبك وبصرى عوضا عن دمشق، كف عن التخريب (٢)، وعقد الصلح مع أخيه الكامل في يوم الأربعاء الفاتح من جمادى الأولى سنة (٣)(٦٣٥ هـ/ ١٢٣٧ م).
وعاش أبو شامة مرارة تلك الأيام، وهو لم ينس بعد ما حل بدمشق من دمار قبل تسع سنين، ولم يطاوعه قلمه أن يصف ما حل بها الآن من خراب، فما أشبه الليلة بالبارحة، فاكتفى في تاريخه بقوله: «فجرى نحو من الحصار المتقدم سنة (٦٢٦ هـ/ ١٢٢٩ م) إلا أن هذا الحصار كان أكثر خرابا في ظاهر البلد، وحريقا ومصادرة» (٤).
وسقطت دمشق مرة أخرى جريحة بأيدي سلاطينها، ويلتقي أعداء الأمس
(١) «مرآة الزمان» (حوادث سنة ٦٣٥ هـ) بتحقيقي، و «المذيل»: ٢/ ٤١. (٢) «مرآة الزمان» (حوادث سنة ٦٣٥ هـ). (٣) «المذيل»: ٢/ ٤١. (٤) المصدر السالف.