عليها، وقد أقبل الصيف بحرارته اللاهبة، وانشغل الناس عن ثماره الناضجة، فذوت الفواكه على أغصانها، وارتفعت الأسعار.
ونفدت خزائن الناصر دفاعا عنها، حتى إنه اضطر إلى ضرب ما عنده من الأواني الفضية والذهبية دراهم ودنانير، وأنفقها، حتى أتى على أكثر ما عنده من الذخائر (١). فرأى أن الإذعان للصلح قد يبقي عليه بعض بلاده، فخرج إلى الكامل، واجتمعا مرات حتى انتظم الصلح بينهما على أن يبقى له مما كان في يده: الكرك، وثلثا نابلس، وقرايا من الغور والبلقاء (٢)، وكم بكى بين يدي الكامل على قلعة الشوبك، أعز مكان إلى قلبه لحصانتها، متوسلا إليه أن يبقيها عليه، غير أن الكامل أصم أذنيه، قائلا له: أنا ما لي حصن يحمي رأسي، وهب أنك وهبتني إياه. فسكت الناصر سكوت العاجز (٣).
وفي يوم الاثنين أول شعبان فتحت دمشق أبوابها، ودخلها عسكر الكامل حتى غصت بهم، ووقف الدمشقيون ينظرون بعيونهم الدامعة إلى أعداء الأمس، وهم ينتشرون في سكك مدينتهم وأسواقها ودروبها، وقلوبهم تتقطع حسرات من الحزن، ويغلب البكاء بعضهم فيعلو عويله، حتى لكأنه قد فجع بموت ولد أو أب (٤).
ويرحل ملكهم المحبوب الناصر داود من دمشق يوم الجمعة ثاني عشر شعبان، وهو يتعثر بأذيال الهزيمة (٥)، وتخضع دمشق للأشرف بعد أن أعطى أخاه الكامل عوضها جملة من بلاد الشرق (٦)، وبعد سنين حين يبني الأشرف قصره بالنيرب