وما يعنيه من تاريخ الدولة الخوارزمية هي تلك الفترة الأخيرة من حياتها، التي حكم فيها سلطانها علاء الدين محمد بن تكش وابنه جلال الدين منكبرتي، وما يعنيه من أحداثها ووقائعها ما يتعلق بحال تلك الدولة مع التتار، ومن ثم اختط أبو شامة منهجا في اختصاره للكتاب يختلف عن منهج النسوي في تأليفه.
فالنسوي أراد أن يؤرخ للفترة الأخيرة من حياة الدولة الخوارزمية من خلال سلطانيها علاء الدين وجلال الدين، فاستفاض في أخبارها، بل إنه توسع في أخبار جلال الدين، لأنه عقد كتابه على سيرته، وسماه باسمه «سيرة السلطان جلال الدين منكبرتي»، وهذا يقتضي منه الإحاطة بأخباره كلها، ولذلك رأينا النسوي يسوق إلينا تفاصيل ما جرى مع تلك الدولة في علاقاتها الخارجية والداخلية، بل إنه وجد متسعا ليذكر ما وقع له من وقائع قادته إلى التعرف إلى جلال الدين وملازمته له حتى مقتله.
أما أبو شامة، فما كان يعنيه من الكتاب هو ما كان لتلك الدولة من وقائع مع
= وقد ساءت العلاقة بينهما، والتحق بخدمة مقدم الخوارزمية الأمير بركة خان، حيث صار عنده بمنزلة الوزير إلى أن قتل بركة سنة (٦٤٤ هـ/ ١٢٤٦ م) فانتقل إلى خدمة سلطان حلب الناصر يوسف بن العزيز، الذي اتخذه سفيرا له إلى التتار عدة مرات، عاد في آخرها إلى حلب، ثم ما لبث أن توفي فيها سنة (٦٤٧ هـ/ ١٢٤٩ م). وكان قد أكب نحو سنة (٦٣٩ هـ/ ١٢٤١ م) على تأليف كتاب في سيرة السلطان جلال الدين منكبرتي، غير أنه لم يقتصر فيه على سرد حياته فحسب، بل استهل كتابه بسرد تاريخ التتار في موطنهم، ثم تتبعهم إلى أن حطوا رحالهم على تخوم المشرق الإسلامي، ثم تكلم عن الدولة الخوارزمية في عهد السلطان علاء الدين محمد والد جلال الدين وصراعه مع التتار الذي انتهى بموته، ثم راح يفصل الكلام في الدولة الخوارزمية في عهد آخر سلاطينها جلال الدين حتى وفاته سنة (٦٢٨ هـ/ ١٢٣١ م). انظر البحث الذي كتبته عن النسوي في «الموسوعة العربية» الصادرة عن «هيئة الموسوعة العربية» في دمشق، مادة «النسوي». وانظر حاشيتنا رقم (١) ص ١٧٨ من هذا الكتاب.