للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفاضل العالم، شهاب الدين محمد بن أحمد بن علي بن محمد النسوي، المعروف بالمنشئ، الذي كان في صحبتهم وخدمتهم، مطلعا على أحوالهم، متصرفا في أعمالهم، جمع ما جرى من ذلك في مجلدة واحدة، فاختصرت المقاصد منها على عادتي في مثل ذلك» (١).

ويستوقفنا في هذا التقديم تلك المقارنة البارعة بين الدولتين النورية والصلاحية، اللتين قامتا على نشر العدل وإقامة الجهاد، والنظر في مصالح العباد (٢)، وبين الدولتين العلائية والجلالية اللتين قامتا على قهر العباد، فآل الأمر إلى خراب البلاد، واستيلاء التتار عليها.

وبهذا يكمل أبو شامة رؤياه ليضعها بين يدي ملوك عصره، العدل الذي يعمر البلاد، والظلم الذي يفضي إلى الخراب.

ولكي يكون أمينا فيما يؤرخ له، وهو البعيد عن تلك الدولة الخوارزمية، اختار النسوي، وهو مؤرخ معاصر لأحداثها، ليعتمد عليه فيما يسوقه من أخبارها (٣).


(١) «نزهة المقلتين»، الورقة ٣.
(٢) كتاب الروضتين: ٤/ ٤٣٤.
(٣) ولد النسوي في قلعة خرندز من أعمال نسا في خراسان، وكان أبوه مالكا للقلعة، فوليها هو من بعد وفاته، وقد شارك النسوي في المعارك ضد التتار، ثم إنه هرب من قلعته سنة (٦٢١ هـ/ ١٢٢٤ م) إلى شمالي العراق إثر فتنة وقعت بين أمراء الدولة الخوارزمية في نسا، مستغلين هروب السلطان جلال الدين إلى الهند عقب هزيمته من التتار.
وحين عاد السلطان جلال الدين سنة (٦٢٢ هـ/ ١٢٢٥ م)، راح يستعيد سلطانه على بلاده، وقد وصل في حروبه إلى شمالي العراق، وهناك التقى النسوي، فعينه كاتبا للإنشاء لديه، ومنذ ذلك الوقت صار النسوي في قلب الحياة السياسية في الدولة الخوارزمية، حيث رافق جلال الدين في حروبه، ثم عينه جلال الدين وزيرا لنسا، مشترطا عليه البقاء معه على أن يستنيب فيها نائبا عنه، فبقي النسوي ملازما له حتى حاصره التتار قرب حاني، ففارقه إلى ميافارقين، حيث بلغه، وهو هناك، مقتل جلال الدين على يد أحد الأكراد في منتصف شوال سنة (٦٢٨ هـ/ ١٢٣١ م)، فانضم النسوي إلى خدمة غازي بن العادل ملك ميافارقين، ثم فارقه، =

<<  <   >  >>