وكذلك يناقش بهدوء المؤرخ ابن أبي طي الحلبي فيما يورده من أخبار تكشف عن فتور العلاقة بين نور الدين وصلاح الدين عقب تولي صلاح الدين مصر، فهو يعترف بادئ ذي بدء بهذا الفتور الذي يعتري أي إنسان لسبب من الأسباب، لأنه مما تقتضيه الطباع البشرية والجبلة الآدمية، وقد أجرى الله ﷾ العادة بذلك إلا من عصمه الله، ومن أنصف عذر، ومن عرف صبر (١).
ثم يرد هذا الفتور، والاختلاف بينهما إلى سببه، فيقول:«والذي أنكره نور الدين إفراط صلاح الدين في تفرقة الأموال، واستبداده بذلك من غير مشاورته»(٢).
بيد أنه يأخذ على ابن أبي طي مبالغته في تصوير هذا الفتور، ويعارضه بكتاب لنور الدين قرأه بخطه يشكر فيه صلاح الدين، فيقول:«وذلك ضد ما قاله ابن أبي طي»(٣).
ويرى وراء مبالغة ابن أبي طي هذه محاولة منه للطعن بنور الدين، مصورا إياه حاكما يتآكله الحسد من صعود نجم صلاح الدين، ثم يبين السبب الذي دفع ابن أبي طي لقول ما قاله في نور الدين، فيقول:«مع أن ابن أبي طي متهم فيما ينسبه إلى نور الدين مما لا يليق به، وذلك لأن نور الدين ﵀ كان قد أذل الشيعة بحلب، وأبطل شعارهم، وقوى أهل السنة، وكان والد ابن أبي طي من رؤوس الشيعة، فنفاه عن حلب، وقد ذكر ذلك كله ابن أبي طي في كتابه مفرقا في مواضع، فلهذا هو في هذا الكتاب الذي له كثير الحمل على نور الدين، فلا يقبل منه ما ينسبه إليه مما لا يليق به»(٤).
وهكذا نرى أبا شامة في نقده يتبع المنهج التاريخي، فهو يعترف بما وقع، غير