للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه يحيله على الأسباب الحقيقية التي كانت وراءه، بعيدا عن العصبية والضغينة التي تشوه وجه الحقيقة التاريخية، معترفا بالمشاعر الإنسانية، وما تمليه من مواقف، رادا الأخبار بوثائق تدحضها، كاشفا عن السبب الذي يحرف المؤرخ عن حياده.

وبحس المؤرخ المرهف يستشرف أبو شامة آفاق هذا الخلاف بين نور الدين وصلاح الدين، ويضعه في سياقه التاريخي الذي آل إليه، فيرى أنه خلاف حول بعض الوسائل، ولا يمس الهدف الأكبر الذي كان واحدا عندهما، وفي لفتة بارعة حقا يكتب: «ولو علم نور الدين ماذا ذخر الله تعالى للإسلام من الفتوح الجليلة على يدي صلاح الدين من بعده لقرت عينه، فإنه بنى على ما أسسه نور الدين من جهاد المشركين، وقام بذلك على أكمل الوجوه وأتمها» (١).

وكان ديدن أبي شامة فيما نقل عن ابن أبي طي أن يتتبع ما وقع له من أوهام (٢).

* * *

ولا يفارقه منهجه التاريخي في النقد، وهو يرد على ابن الأثير، ذلك المؤرخ الجليل، فحين يورد ابن الأثير أبياتا لابن منير في غزاة وقعت سنة (٥٥٥ هـ/ ١١٦٠ م)، يقول أبو شامة: «وقد سبق أن ابن منير توفي سنة (٥٤٨ هـ)، فإما أن يكون ابن منير قال الشعر في غير هذه الغزاة، وإما أن تكون هذه الغزاة في غير هذه السنة» (٣).

وحين يذكر ابن الأثير خاتون زوج قطب الدين مودود حاكم الموصل، ويقول فيها: إنها أشبهت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان زوج عمر بن عبد العزيز، كان لها أن تضع خمارها عن ثلاثة عشر خليفة. ثم يعددهم ابن الأثير، فيعقب عليه


(١) «كتاب الروضتين»: ٢/ ٣١٠ - ٣١١.
(٢) «كتاب الروضتين»: ١/ ٣١٨ - ٣١٩، ٣٨٤.
(٣) «كتاب الروضتين»: ١/ ٣٢٢ - ٣٢٣.

<<  <   >  >>