منهج التاريخ في البحث عن الأسباب، وتلمس منطق الأحداث، يتصدى أبو شامة له، موردا الأسباب التي كانت وراء ما حدث، من ذلك ما قاله العماد الكاتب حين ذكر وضع منبر نور الدين الذي صنعه في موضعه في المسجد الأقصى:«فعرفت بذلك كرامات نور الدين التي أشرق نورها بعده بسنين». فيتعقبه أبو شامة بقوله:«وهذا الذي نسبه إلى نور الدين من أنه كرامة من كراماته لائق بمحله ومنزلته من الدين، وليس بالبعيد من مثل ذلك». ثم يبين السبب الذي دفع نور الدين إلى صنع منبر المسجد الأقصى، فيقول: «وكان نور الدين قد بدت له مخايل ذلك (أي قرب فتح بيت المقدس) مما تسنى له من فتح البلاد الشامية والمصرية، وقهر العدو بين يديه مرارا، وكان فتح القدس من همته من أول ملكه» (١).
هكذا هو دائما يبحث عن الأسباب التي كانت وراء ما وقع حتى يزداد لها فهما (٢)، ولا تغيب عن منطق التاريخ، ومن هذه البابة ما بلغه من أن نور الدين أسقط المكوس لمنام رآه وزيره موفق الدين خالد بن القيسراني (٣). ثم يسوق أبو شامة أبياتا أنشدها نور الدين الواعظ أبو عثمان المنتجب بن أبي محمد البحتري الواسطي، مطلعها:
مثل وقوفك أيها المغرور … يوم القيامة والسماء تمور
وفيها:
أنهيت عن شرب الخمور وأنت من … كأس المظالم طافح مخمور (٤)
في إشارة إلى المكوس التي كان يأخذها نور الدين من رعيته، ثم يعقب أبو شامة على هذه الأبيات بقوله:«ولعل هذه الأبيات كانت من أقوى الأسباب المحركة إلى إبطال تلك المظالم، والخلاص من تلك المآثم»(٥).
(١) «كتاب الروضتين»: ٣/ ٣٩٤، وانظر كذلك رده على أبي الحكم الأندلسي: ٣/ ٣٩٥ - ٣٩٦. (٢) انظر كتاب الروضتين: ٢/ ٢٨٤، ٤/ ٢٠٥. (٣) «كتاب الروضتين»: ١/ ٥٤. (٤) «كتاب الروضتين»: ١/ ٥٥. (٥) «كتاب الروضتين»: ١/ ٥٦.