فصلاح الدين قريب الشبه في سيرته بنور الدين، غير أن الفضل لنور الدين، يعلن أبو شامة ذلك دون مواربة، فيقول:«فهو أصل ذلك الخير كله، مهد الأمور بعدله وجهاده، وهيبته في جميع بلاده، مع شدة الفتق، واتساع الخرق، وفتح من البلاد ما استعين به على مداومة الجهاد، فهان على من بعده على الحقيقة سلوك تلك الطريقة، لكن صلاح الدين أكثر جهادا، وأعم بلادا، صبر وصابر، ورابط وثابر، وذخر الله له من الفتوح أنفسه، وهو فتح الأرض المقدسة»(١).
ويستتم أخباره حتى وفاته سنة (٥٨٩ هـ/ ١١٩٣ م) خاتما كتابه بمناقبه (٢) كما افتتحه بمناقب نور الدين.
بيد أن أبا شامة قبل أن يضع قلمه يجد نفسه منساقا لذكر ما حدث بعد وفاة صلاح الدين من منازعات بين أولاده الأفضل والعزيز والظاهر وأخيه العادل، فراح يسردها حتى وصل بها إلى سنة (٥٩٢ هـ/ ١١٩٥ م) معتذرا للقارئ عن إخلاله بشرطه، قائلا:«ولم يكن ذكر مثل هذا من شرط كتابنا هذا، لأنه موضوع للدولتين النيرتين، إلا أنه لا بد من ذكر ما يتعلق بهما بما وقع فيهما وعقيبهما»(٣).
وبإحساس الروائي الذي يتتبع مصير جميع أبطاله، يجلس أبو شامة بعد فراغه من إسماعه إلى كتابه من جديد، فيزيد فيه حتى يصل إلى سنة (٥٩٧ هـ/ ١٢٠١ م) وهي السنة التي توفي فيها القاضي الفاضل صديق صلاح الدين ووزيره (٤).
وبهذا العرض الدقيق المحكم الذي ينم عن ذكاء مبدع تتبدى براعة أبي شامة مؤرخا، فقد نثر الأحداث والوقائع بسلاسة جعلت القارئ يتابعها بشغف واهتمام دون أن يعتوره انقطاع في حدث أو غموض في خبر، وزاد من جمال عرضه ما نثره