للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه من وثائق ورسائل وأشعار قربت ذلك العصر منا بمشاعره حتى تجلى أمام أعيننا وكأننا نعيش فيه.

لقد ارتفع أبو شامة في كتابه «الروضتين» من كاتب لسيرة سلطان يتوسل بها كي ينال عطف ذريته، إلى مؤرخ دولة كانت تسعى إلى إشاعة العدل والأمن، دولة لم يعش هو في ظلها فيتهم بتملقها بمديح كاذب، رغبة في غنيمة، أو رهبة من عقوبة، بل كتب ما كتب متجردا من هواه إلا ما تمليه عليه مشاعره الإسلامية من حب كل فضيلة، وكره كل رذيلة، مما أثار عليه من بعد حنق ملوك عصره، وما يحيط بهم من فقهاء، وقد كشف مخازيهم في مرآة الروضتين.

ولم يكن أبو شامة سباقا إلى التأريخ لنور الدين وصلاح الدين، فقد سبقه إلى ذلك مؤرخون، وقفوا في التأريخ لهما عند تسجيل أخبارهما، وحده أبو شامة استطاع صوغ تاريخه عنهما وفق رؤية إصلاحية، مبرزا منهج عملهما لمن أراد أن يقتدي بهما.

ونتساءل: هل استطاع أبو شامة بكتابه هذا أن يحرك همم ملوك عصره للاقتداء بهما؟

لقد بقي الأيوبيون في منازعاتهم يعمهون حتى جرفهم التتار فيمن جرفوا حين اجتاحوا شرق العالم الإسلامي، وأسقطوا بغداد عاصمة خلافته، وكان على أبي شامة أن يعيش تلك السنين العجاف منتظرا حاكما مثل الظاهر بيبرس يعيد للجهاد ألقه، وللعدالة نورها على تعسف فيه، غير أن أبا شامة لم يدرك من دولة الظاهر بيبرس إلا سنواتها الأولى، ولم تتح له أن يدرك عظمة هذا السلطان.

ومع ذلك يبقى من كتاب الروضتين برغم قيمته التاريخية أنه دعوة للأمة كي تستعيد ثقتها بنفسها في زمن المحن، وأن تقتدي بمنهج نور الدين وصلاح الدين، ذلك المنهج الذي يقوم على إقامة فرض الجهاد، وتخليص البلاد من أيدي الكفرة، والنظر في مصالح العباد، وهو منهج يعلو على الزمن ومتغيراته، وقد استطاع أن

<<  <   >  >>