وقد مر من عمري ثلاث أعدها … وستون في روض من اللطف أرتع
ووجهي من ذل التبذل مقتر … مقل ومن عز القناعة موسع
ومن حسن ظني أن ذا يستمر لي … إلى الموت إن الله يعطي ويمنع
وإني لا ألجا إلى غير بابه … فأبقى كما قد قيل والقول يسمع
نرفع دنانا بتمزيق ديننا … فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبد آثر الله ربه … وجاد بدنياه لما يتوقع (١)
* * *
وتشغر مشيخة دار الحديث الأشرفية بوفاة شيخها القاضي الخطيب عماد الدين عبد الكريم بن القاضي جمال الدين عبد الصمد بن محمد، المعروف بابن الحرستاني، وذلك بعد صلاة الصبح من يوم الأحد (٢٩) جمادى الأولى سنة (٦٦٢ هـ/ ١٢٦٤ م)، وكان قد ولي مشيختها عقب وفاة شيخها تقي الدين أبي عمرو عثمان بن الصلاح سنة (٦٤٣ هـ/ ١٢٤٥ م) واستمر بها إلى الآن. وصلى عليه بجامع دمشق قاضي القضاة ابن خلكان، وصلى عليه أبو شامة إماما بظاهر البلد تحت القلعة خارج باب الفرج، وكان يوما مشهودا، حضر جنازته خلق كثير (٢).
ويراها القاضي ابن خلكان فرصة لاسترضاء أبي شامة، وإخراجه من عزلته من جديد، فيعرض عليه توليته مشيخة دار الحديث الأشرفية، وهو منصب يتعين له لموافقة أبي شامة لشرط واقفها في شيخها أن تجتمع فيه الرواية والدراية (٣).
ولعل أبا شامة قبل توليه مشيختها لما تتيحه له من نشر علمه، مستغنيا في الوقت نفسه عن أوقافها، وهو الذي أخذ على نفسه ألا يقرب مال الوقف أبدا (٤).
(١) «المذيل»: ٢/ ١٩٠ - ١٩١. (٢) «المذيل»: ٢/ ١٩٥ (٣) «منادمة الأطلال»: ص ٢٥ - ٢٩. (٤) انظر ص ٣٠٥ - ٣٠٦ من هذا الكتاب.