كان الظاهر بيبرس قد عقد عزمه على أن يرسل مع الخليفة نحو عشرة آلاف فارس، وأن يكون أولاد صاحب الموصل في خدمته، وبينما كان يجيل خاطره في ذلك خلا به يوما واحد من المقربين منه، وأشار عليه ألا ينفذ ما عزم عليه، إذ إن الخليفة إذا ما استقر في بغداد سينازع الظاهر في سلطانه، وسيخرجه من مصر، ووقعت هذه الكلمات في قلب الظاهر بيبرس موقعا متمكنا، وربما أكدت له ما كانت هواجسه تحدثه به، ففتر عما عقد العزم عليه، وقرر أن يرسل مع الخليفة قوة صغيرة في نحو ثلاث مئة فارس (١)، وكأنه بذلك يحكم على الخليفة بالموت، إذ إنه لن يستطيع بهذا العدد القليل من الجند مهما تبلغ جرأته وشجاعته أن يقف في وجه جيش التتار، المنتشر في العراق.
والغريب حقا أن الخليفة قد قبل بما جاد عليه الظاهر من هذه القوة الصغيرة، وظن حقا أنه سيعيد بها فتح بغداد، فخرج من دمشق في يوم الخميس (٢٣) ذي القعدة سنة (٦٥٩ هـ/ ١٢٦١ م) نحو العراق على طريق البرية (٢)، وركب السلطان الظاهر لوداعه الوداع الأخير (٣).
وفي الطريق انضم إلى الخليفة الأمير علي بن حذيفة من آل فضل بأربع مئة فارس من العرب، وكذلك انضم إليه نحو ستين مملوكا من مماليك المواصلة، ولحق به الأمير عز الدين بركة من حماة في ثلاثين فارسا.
وسار الخليفة بقوته هذه حتى وصل إلى مشهد علي، فوجد فيها أميرا من بني العباس، هو أبو العباس أحمد، من أولاد المسترشد بالله، وقد اجتمع إليه سبع مئة فارس من التركمان، فالتقاه، ورغبه في اجتماع الكلمة على إقامة الدولة
(١) «السلوك»: ج ١/ ق ٢/ ٤٦٢. (٢) «المذيل»: ٢/ ١٦٥. (٣) «السلوك»: ج ١/ ق ٢/ ٤٦٢.