للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما إن قرب التتار من نابلس حتى خرج إليهم الأمير مجير الدين، وقاتل دفاعا عنها، باذلا كل جهد في صدهم، فما زال يضرب بسيفه حتى نصل من يده، فصار يقاتلهم بالدبوس، يضرب به، ويتقي به الضرب، ويرفس برجله من يصل إليه منهم حتى قتل من التتار سبعة عشر أو تسعة عشر فارسا، ثم استشهد ، فكان التتار يتعجبون من شجاعته (١).

وحين امتلأت أيدي التتار من الغنائم والسبي، عطفوا أعنة خيولهم راجعين إلى دمشق لحصار قلعتها، فتجمعوا من كل أوب، حتى تكامل جمعهم في يوم الأحد (١٢) جمادى الأولى سنة (٦٥٨ هـ/ ١٢٦٠ م)، فما باتوا الليلة حتى قطعوا من الأخشاب ما احتاجوا إليه، وكانوا استصحبوا معهم المجانيق تجرها الخيل، وهم ركاب عليها، وقدموا قبل ذلك أسلحة تجرها البقر على العجل، وأصبحوا يوم الاثنين (١٣) جمادى الأولى يجمعون الحجارة لرمي المجانيق، فأخربوا من دمشق حيطانا كثيرة، وأخذوا الحجارة من أساسها، وكذلك أخربوا طرقا من القنوات لحجارتها، وهيؤوها للرمي، ونصبت المجانيق في ليلة الثلاثاء، وكانت أكثر من عشرين منجنيقا، وأصبحوا يرمون بها رميا متتابعا كالمطر، فأخرب كثيرا من القلعة من غربها، فما أمسوا حتى طلب أهل القلعة الأمان، فأمنوا، وأخرجوا منها يوم الأربعاء (١٥) جمادى الأولى، ونهب ما في القلعة، وأحرق فيها مواضع كثيرة، وهدم من أبراجها أعاليها، وخربوا كل بدنة بين برجين (٢) حتى لا تقوى على العصيان.

وإظهارا لمزيد من الولاء والخضوع كتب زين الدين الحافظي إلى هولاكو، يخبره بعصيان قلعة دمشق، ثم بالاستيلاء عليها (٣).


(١) «المذيل»: ٢/ ١٤١.
(٢) «المذيل»: ٢/ ١٤١ - ١٤٢.
(٣) «أخبار الأيوبيين»: ص ١٧٤.

<<  <   >  >>