ولا ريب أن هذا التفويض قد أزعج قاضي القضاة صدر الدين ابن سني الدولة، وأثار حسده على نائبه كمال الدين الذي منحت له هذه السلطات الواسعة، ولم يرض أن يهمل هذا الإهمال المزري في هذا العهد الجديد، وهو العريق في منصب القضاء منذ خمس عشرة سنة (١)، فتأهب للسفر إلى حلب، ليقابل سيده الجديد هولاكو (٢)، عساه أن يعيده إلى منصبه، متناسيا ولاءه للملك الناصر يوسف الذي طالما قربه منه، وأثنى عليه (٣).
وممن كان يتشوف لمنصب القضاء كذلك القاضي محيي الدين يحيى بن محيي الدين محمد بن علي ابن الزكي، فهو منذ عزل عن القضاء في تاسع جمادى الأولى سنة (٤)(٦٤٣ هـ/ ١٢٤٥ م) ليليه القاضي صدر الدين، وهو يتحرق للعودة إليه، وها هي الفرصة تسنح له أخيرا، فليهتبلها، وهو الأولى به من غيره، فهو من بيت ولي القضاء كابرا عن كابر، فجده كان قاضي السلطان نور الدين محمود بن زنكي (٥)، وأبوه كان قاضي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب (٦)، وأخوه الظاهر كان قاضي السلطان العادل بن أيوب (٧)، وأي بأس أن يكون هو قاضيا لهولاكو؟ فمن أحق منه بمنصب القضاء؟ وشرع يتأهب للسير نحو حلب ليقابل هولاكو، سيد البلاد الجديد، عساه أن يظفر بهذا المنصب الرفيع.
وعلى باب هولاكو يلتقي القاضيان (٨)، كل منهما يتمسح بأعتابه، ليستأثر بهذا
(١) «المذيل»: ٢/ ١٤٠. (٢) «المذيل»: ٢/ ١٤٤. (٣) انظر ص ١٨٥ من هذا الكتاب. (٤) انظر ص ١٣١ من هذا الكتاب. (٥) «كتاب الروضتين»: ١/ ٧٣، ٣٨٨. (٦) «المذيل»: ١/ ١٢٣ - ١٢٤. (٧) «المذيل»: ١/ ٢٩٣، ٢٩٦، ٣١٦، ٣١٨. (٨) «المذيل»: ٢/ ١٤٤، و «المختصر في أخبار البشر»: ٣/ ٢٠٢ - ٢٠٣، و «ذيل مرآة الزمان»: ٢/ ١٣ - ١٤.