ووصل هولاكو بعساكره إلى حلب، وأرسل إلى الملك المعظم تورانشاه بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وكان نائب الناصر يوسف في حلب، يقول له: إنكم تضعفون عن لقائنا، ونحن قصدنا الملك الناصر والعساكر، فاجعلوا لنا عندكم بحلب شحنة، وبالقلعة شحنة، ونحن نتوجه إلى العسكر، فإن كانت الكسرة في عسكر الإسلام كانت البلاد لنا، وتكونون أنتم قد حقنتم دماء المسلمين، وإن كانت الكسرة علينا كنتم مخيرين في الشحنتين، إن شئتم طردتموهما، وإن شئتم قتلتموهما. فلم يجب الملك المعظم إلى ذلك، وقال لهم: ليس لكم عندنا إلا السيف.
فلما ورد هذا الجواب غضب هولاكو، وأحاط التتار بحلب في (٢) صفر سنة (٦٥٨ هـ/ ١٢٦٠ م)، وهجموا في غد ذلك اليوم (١)، واشتد القتال عليها، وقد استضعفوا من سورها موضعا عند باب العراق (٢)، فضربوه بالمنجنيقات حتى استولوا عليها في يوم الأحد (٩) صفر سنة (٣)(٦٥٨ هـ/ ١٢٦٠ م)، وأخذوا أهلها بالسيف، وقتلوا خلقا كثيرا، وأسروا النساء والذرية، ونهبوا الأموال، واستباحوا فيها دماء الناس حتى امتلأت الطرقات من القتلى، وصارت عساكر التتار زيادة في التشنيع تمشي على جيف القتلى، وامتنعت قلعة حلب، فنازلها هولاكو حتى استولى عليها في (١٠) صفر، وخربها، وخرب جميع سور البلد، وجوامعها ومساجدها، وبساتينها، حتى سكنتها الوحشة (٤)، ودام القتل والنهب في حلب حتى يوم الجمعة (١٤) صفر، فأمر هولاكو برفع السيف، ونودي بالأمان (٥)، وقد قتل فيها أكثر مما قتل ببغداد (٦).