للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووصل الخبر إلى دمشق بأخذ قلعة حلب، وكان الناصر يوسف يظن أنها لا تؤخذ في عشر سنين لمناعتها (١)، فحينئذ تمزق أهل دمشق كل ممزق، واضطربوا، وزهدوا في أمتعتهم، وباعوها بأبخس الأثمان، وخرجوا من دمشق هائمين على وجوههم (٢).

واشتد الحال على الناصر يوسف، وخاف خوفا شديدا، وضاقت حيلته، فاستشار أمراءه، فأشاروا عليه بأن يرحل نحو غزة، ويكاتب المظفر قطز يستصرخه، ويسأله أن يخرج بعساكر مصر لتجتمع كلمتهم، ويتفقوا على لقاء هولاكو وقتاله، واستنقاذ البلاد منه (٣)

فرحل الناصر يوسف عن برزة بعد صلاة الجمعة منتصف صفر سنة (٦٥٨ هـ/ ١٢٦٠ م) بمن بقي معه قاصدا غزة، وترك دمشق خالية ممن يدافع عنها من العسكر، فاختبطت، ولم يثبت بها الناس، فخرجوا بخروج الناصر يوسف، ووقعت فيهم الجفلات، حتى كأن القيامة قد قامت، ومن بقي من أهل دمشق علا أسوارها، وأطلق لسانه بشتم الناصر يوسف وأمرائه، والدعاء عليهم، قائلين: تركتمونا طعما للتتار، لا كتب الله لكم السلامة (٤)

وكانت أصواتهم تتلاشى كلما ابتعد الناصر يوسف عن دمشق.

ويعكف أبو شامة على تاريخه يسجل فيه هذا الحدث الجلل، مسدلا الستار على تاريخ الأيوبيين في الشام، بقوله: «وفي منتصف صفر ورد الخبر إلى دمشق باستيلاء التتار على بلاد حلب بالسيف، فهرب صاحبها من دمشق بأمرائه، الموافقين له على سوء تدبيره، وزال ملكه عن تلك البلاد» (٥).


(١) «أخبار الأيوبيين»: ص ١٧٢.
(٢) «السلوك»: ج ١/ ق ٢/ ٤٢٠.
(٣) «أخبار الأيوبيين»: ص ١٧٢.
(٤) «أخبار الأيوبيين»: ص ١٧٢، «السلوك»: ج ١/ ق ٢/ ٤٢٣.
(٥) «المذيل»: ٢/ ١٣٩.

<<  <   >  >>