علي، وقد كانت بينهما غيرة شديدة، فضربها الجواري بالقباقيب، إلى أن ماتت يوم السبت (٢٨) ربيع الأول سنة (٦٥٥ هـ/ ١٢٥٧ م)، فألقوها من سور القلعة إلى الخندق، وليس عليها سوى سراويل وقميص، فبقيت في الخندق أياما حتى أنتنت، فحملت في قفة، ودفنت بتربتها قريب المشهد النفيسي (١).
* * *
ووصلت أخبار هذه الحوادث المؤلمة إلى دمشق في أوائل شهر ربيع الآخر سنة (٢)(٦٥٥ هـ/ ١٢٥٧ م) عقيب وقوعها بأيام قليلة، كان أبو شامة في تلك الأيام يجلس بحلقته في جامع دمشق، وقد التف حوله بعض أصحابه يقرؤون عليه «كتاب الروضتين»(٣)، ولا ريب أن هذه الأخبار زادته كرها لهؤلاء المماليك الذين استبدوا بالملك، لا يرعون حرمة دم، ولا يحفظون مالا ولا عرضا، حقا أنهم افتتحوا عهدهم بالانتصار على الفرنج في المنصورة، ولكنهم لوثوا انتصارهم بما سفكوه من دماء في شوارع القاهرة، ألم يشنقوا الرجال ترسيخا لهيبتهم؟ ألم يعتدوا على نساء المسلمين وأولادهم؟ وإذا كانت مهمة السلطان في رأي أبي شامة في إقامة فرض الجهاد، وتخليص البلاد من أيدي الكفرة، فإن مهمة أعظم تنتظره، وهي النظر في مصالح العباد (٤)، إذ لا معنى للجهاد إذا كان معه تضييع حق العباد.
وأكب أبو شامة في بيته على أوراقه يسجل فيها تلك الحوادث، ويبدو أن نصرا العزيزي، وقد فر إلى الشام، وهو أحد أركان المؤامرة، قد أشاع فيها، تبرئة لنفسه، أن المعز مات فجأة، وأن شجرة الدر بريئة من دمه، ويتلقف أبو شامة هذه الشائعة دون أن يتحقق منها، فيدون في تاريخه: «وفي أوائل شهر ربيع الآخر جاءنا
(١) «السلوك»: ج ١/ ق ٢/ ٤٠٤. (٢) «المذيل»: ٢/ ١١٩. (٣) كتاب الروضتين: ٣/ ١٦ م. (٤) كتاب الروضتين: ٤/ ٤٣٤.