الخبر من ديار مصر بموت ملكها حينئذ عز الدين أيبك التركماني، أحد مماليك نجم الدين أيوب بن الكامل بن العادل بن أيوب، وهو الذي غلب عليها بعد قتل ابنه المعظم بن الصالح بن الكامل، ويلقب بالملك المعز، وكثر الظلم والقتل بتلك الديار من المماليك المعروفين بالبحرية في أموال المسلمين، ونسائهم وأولادهم إلى أن قتل رفيقه فارس الدين أقطاي. ثم مات هذا التركماني بداره بغتة، ولا يعلم سبب موته، وتعصب أصحابه لإقامة ابنه مقامه، ولقبوه بالملك المنصور نور الدين علي، وضرب الدرهم باسمه، واتهموا زوجة التركماني أنها قتلته، فأعدموها، وكانت جارية لسيدهم الملك الصالح أيوب بن الكامل، تكنى أم خليل، بابن له منها درج، وتلقب شجرة الدر، والله تعالى يصلح أمور المسلمين» (١).
في نابلس كان الأمير ركن الدين بيبرس يرقب هذه الأحداث، ويرى أنه الأحق بملك مصر عقب مقتل المعز، أليس هو صاحب الانتصار في المنصورة؟ أليس هو من قتل السلطان تورانشاه ليفسح للمماليك أن يحكموا؟ أهكذا يبعد عن مصر، ويعيش مطاردا تتقاذفه البلاد، بينما يستولي عليها أحد مماليك المعز؟ ويرى الفرصة قد سنحت، فيترك نابلس في شوال سنة (٦٥٥ هـ/ ١٢٥٧ م) وينضم مع فرسانه السبع مئة إلى الملك المغيث صاحب الكرك، ويطمعه بالاستيلاء على مصر، والظروف مواتية، فيرسل المغيث عسكره مع ركن الدين بيبرس، فيسير إليها، غير أن هذا الجيش الصغير لن يستطيع مهما تبلغ شجاعة قائده أن يتغلب على جيش مصر القوي، وقد خرج إلى الصالحية بقيادة سيف الدين قطز لمنعه عنها، وتقع المعركة بينهما في يوم السبت (١٥) ذي القعدة سنة (٦٥٥ هـ/ ١٢٥٧ م) مسفرة عن هزيمة بيبرس وعسكر الكرك، ويعود سيف الدين قطز إلى القاهرة منصورا، بينما يقبع بيبرس في قلعة الكرك يتآكله الغيظ، متربصا فرصة أخرى (٢).