للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠)

هذه مناظرة ذكرها الله تعالى، وشبهة تشبث [١] بها المشركون في شركهم وتحريم ما حرموا، فإن الله مطلع على ما هم فيه من الشرك والتحريم لما حرموه، وهو قادر على تغييره بأن يلهمنا الإِيمان، أو يحول بيننا وبين الكفر فلم يغيره، فدل على أنه بمشيئته وإرادته ورضاه منا ذلك، ولهذا قالوا [٢]: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ] [٣]﴾، وكذلك [٤] الآية التي في النحل [٥] مثل هذه سواء، قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: بهذه الشبهة ضل من ضل قبل هؤلاء، وهي حجة داحضة باطلة؛ لأنها لو كانت صحيحة لما أذاقهم الله بأسه، ودمر عليهم، وأدال عليهم رسله الكرام، وأذاق المشركين من أليم الانتقام.

﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾ أي: بأن الله راض عنكم فيما أنتم فيه ﴿فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾ أي: فتظهروه لنا وتبينوه وتبرزوه ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ أي: الوهم والخيال، والمراد بالظن هاهنا الاعتقاد الفاسد ﴿وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ أي: تكذبون على الله فيما ادعيتموه.

قال على بن أبي طلحة (٣١٧)، عن ابن عباس: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾، وقال: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، ثم قال: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ فإنهم قالوا عبادتنا الآلهة تقربنا إلى الله زلفى، فأخبرهم الله أنها لا تقربهم، وقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ يقول تعالى: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين.


(٣١٧) - أخرجه ابن جرير (١٢/ ١٤١٢٩)، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم (٥/ ٨٠٥١) مختصرًا.