والراجح إلحاقُ أبي حنيفةَ؛ لأن إلحاقَ الشيء بالأصول التي من جنسه أولى من غير جنسه، ويَعْضِدُه الحديثُ وظاهرُ القرآن.
أما الحديث، فما روينا في "الصحيحين" من حديثِ أبي هريرةَ -رضي الله تعالى عنه- قال: أتى رجلٌ من المسلمين رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله إني زنيت، فأعرضَ عنه، فتنحَّى تِلقاءَ وجهه، فقال: يا رسول الله! إني زنيت، فأعرض عنه حتى عَدَّ (١) أربع مراتٍ، فلما شهدَ على نفسه أربعَ شهادات (٢)، دعاهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال:"أَبكَ جُنونٌ؟ " قال: لا، قال:"فَهَلْ أَحصَنْتَ؟ " قال: نعم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اذْهَبُوا بِهِ فارْجمُوُهُ"(٣).
وأما ظاهرُ القرآن العزيز، فقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}[النساء: ١٣٥]، فسمى الإقرارَ شهادةً، وقد (٤) اشتركا في التسمية، فاعتبر فيها العددُ؛ كشهادة الغير.
وأما إطلاقُ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "واغْدُ يا أنيْسُ عَلى امْرَأَةِ هذا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ، فَارجُمْها"(٥)، محمولٌ على تقييد حديث أبي هريرةَ -رضي الله تعالى
(١) في "ب": "ثنى عليه". (٢) قال الإمام ابن دقيق العيد في "شرح عمدة الأحكام" (٤/ ١١٧): وفي قول الراوي: "فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله ... " إشعارٌ بأن الشهادة أربعًا هي العلة في الحكم. (٣) رواه البخاري (٦٤٣٠)، كتاب: المحاربين، باب: لا يرجم المجنون والمجنونة، ومسلم (١٦٩١)، كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا. (٤) في "ب": "فقد". (٥) رواه البخاري (٦٤٤٠)، كتاب: المحاربين، باب: الاعتراف بالزنا، ومسلم (١٦٩٧)، كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا، عن أبي هريرة،=