فإن قلتم: فهل نجدُ ما يدل على أنَّ المرادَ بالمتطهرين المتطهرين بالماء؟
قلت: نعم، قوله تعالى في أهل قباء:{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[التوبة:١٠٨].
وكلمة (من) في قوله تعالى {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}[البقرة: ٢٢٢] قيل: إنها بمعني (في) أي: في حيث أمركم الله، وهو الفرج؛ كقوله تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}[الجمعة: ٩]، فالإتيان مستحب، وكونُه في المحلِّ المَخْصوصِ واجب بإجماع المسلمين، فلا يحل لمؤمن إتيانُ امرأته في دُبُرِها.
وقيل: إن (من) على حقيقةِ وضعِها، والمعنى: مِنْ حيثُ نهاكُم اللهُ عنهُ، وأَمَرَكُم باعتزاله، وهو أحسنُ؛ لأن الله سبحانه عَقَبَهُ بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(٢)[البقرة: ٢٢٢].
فعن مجاهد: المتطهرين من إتيانِ النساءِ في (٣) أدبارهن (٤).
والمتنزِّهُ عن المحل المكروهِ مُتَطَهِّرٌ، كما حكى الله سبحانه عن قوم لوط:{أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}[الأعراف: ٨٢].
(١) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (١/ ٢٢٨)، و"المغني" لابن قدامة (١/ ٤١٩)، و"المجموع" للنووي (٢/ ٣٩٧). (٢) انظر معنى "من" في الآية في: "معالم التنزيل" للبغوي (١/ ٢٨٩)، و "أحكام القرآن" لابن العربي (١/ ٢٣٥)، و "تفسير الرازي" (٣/ ٢/ ٧٥)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (١/ ٢٢٤)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ١/ ٨٦). (٣) في "ب": "من". (٤) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (٢/ ٣٩١)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ١٨٨٣).