روينا في "الصحيحين" عن عطاءٍ أَنَّه سمعَ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يقولُ: سَمِعْتُ عائشةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنها- تقولُ: إن النَّبي -صَلَّى الله عليه وسلم - كانَ يمكُثُ عندَ زينبَ بنتِ جَحْشٍ، ويشربُ عندَها عَسَلاً، فتواصَيْتُ أنا وحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنا دخلَ عليها النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فَلْتَقُلْ: إنِّي أجدُ منكَ ريحَ مَغافيرَ، هلْ أكلتَ مغافيرَ؟ (١) فدخلَ على إحداهُما، فقالتْ له ذلكَ، فقالَ:"لا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَينبَ بنْتِ جَحْشٍ، ولَنْ أعودَ لَهُ"، فنزلَتْ:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}(٢)[التحريم: ١].
وفي بعضِ ألفاظ البُخاريّ:"ولكنِّي شربْتُ عَسَلاً عندَ زينبَ بنتِ جَحْشٍ، ولَنْ أعودَ لَهُ، وقدْ حَلَفْتُ لا تُخْبري بِذلِكَ أحدًا"(٣).
قال بعضُ أهلِ العلمِ بالحديثِ: والصحيحُ في نزولِ هذهِ الآية أَنَّها في قِصَّةِ العَسَلِ، لا في قِصَّةِ مارِيَةَ، فلمْ تأتِ قِصَّةُ ماريةَ -رضيَ اللهُ تُعالى عنها - من طريقٍ صَحيح (٤).
الأمر الثَّاني: هل التحريمُ الذي فرضَ اللهُ سبحانَهُ تَحِلَّتَهُ يمين، أو ليسَ بيمينٍ، وإنَّما صدرَ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مطلَقُ التحريمِ؟
(١) مغافير: واحدها مُغفُور -بالضم-، وله ريح كريهة منكرة، ويقال أيضاً: المغاثير. "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (٤/ ٣٧٤). (٢) رواه البُخاريّ (٤٩٦٦)، كتاب: الطلاق، باب: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} ومسلم (١٤٧٤)، كتاب: الطلاق، باب: وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق. (٣) رواه البُخاريّ (٤٦٢٨)، كتاب: التفسير، باب: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ...}، عن عائشة. (٤) نقله الإمام النووي عن القاضي عياض في "شرح مسلم" (١٠/ ٧٧).