روى ابنُ وَهْبٍ وابنُ القاسِمِ عن مالكٍ: أنه قال: إن الزَّكاةَ والصومَ فُرِضا في المدينة، فكيف نقولُ: إن قولَه تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} إن المرادَ بها الزكاة، والأنعامُ مَكِّيّةٌ؟.
فذهبَ قومٌ إلى أنها منسوخة بآية الزكاة (١).
ويروى عن عِكْرِمَةَ، والضحّاك، والنَّخَعِيِّ، وسعيدِ بنِ جُبَير (٢)، قال سُفْيانُ: سألتُ السُّدِّيَّ عن هذه الآيةِ، فقالَ: نسخَها العُشْرُ، وَنصفُ العُشْرِ، فقلتُ عَمَّنْ؟ قال: عن العلماء (٣).
وذهبَ الجُمهور إلى أنها مُحْكَمَةٌ.
ثم اختلفَ هؤلاءِ.
فقال قومٌ: ليس المرادُ بالحَق الزكاةَ، وإنما المرادُ به تركَ شيءٍ للمساكين غيرِ الزكاة، وبه قالَ مجاهدٌ، والحَكَمُ، ومحمدُ بنُ كَعْبٍ، وأبو عُبيدَةَ (٤).
قال مُجاهدٌ: إذا حَصدْتَ، فَحَضَرَكَ المساكينُ، فاطْرَحْ لهِم من السُّنْبُلِ، فإذا جَذَذْت، فألقِ لهم منَ الشَّماريخ (٥)، فإذا دستَهُ (٦) وذرَّيْتَهُ،
(١) انظر "المصفى بأكف أهل الرسوخ" (ص: ٣٤). (٢) انظر: "تفسير الطبري" (٨/ ٥٨). (٣) رواه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر في "تفاسيرهم"، وأبو داود في "ناسخه" كما نسب ذلك السيوطي في "الدر المنثور" (٣/ ٣٦٧). (٤) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (٢/ ٤٠٧)، و"تفسير الطبري" (٨/ ٥٥). (٥) الشماريخ: مفردُه: الشِّمْراخ والشِّمْروخ: وهو العِذقُ الذي عليه البُسْر، وأصلُه في العِذْق، وقد يكون في العنب. "اللسان" (مادة: شمرخ) (٣/ ٣١). (٦) دُسْته: داسَ الناسُ الحبَّ وأداسوه: دَرَسوه.=