وليس ذلك بهجاء، ألا ترى أنّه يقول في أثناء القصيدة [من الوافر]:
إذا ما رَايَةٌ رُفعتْ لمَجْدٍ ... تَلَقّاها عَرابةُ باليَمِين
فأمّا قولهم:"زيدًا مررتُ به"، فهو منصوبٌ بفعل مضمر يفسّره هذا الظاهرُ، إلّا أنّ النصب ها هنا أضعفُ منه في قولك:"زيدًا ضربتُه"؛ لأنّك إذا قلت:"زيدًا مررت به"، أضمرتَ فعلًا على غير لفظِ الأول، كأنّك قلت:"لَقِيت زيدًا" أو"جُزْتُ زيدًا"، أو "جعلتُ زيدًا على طريقي"؛ لأنّك إذا جزتَه وجعلتَه على طريقك، فقد مررتَ به. وإذا قلت:"زيدًا ضربتُه" أضمرتَ فعلاً من لفظه، فكأنّك قلت:"ضربتُ زيدًا ضربتُه"، فيكون الظاهرُ دالآ على مثلِ لفظه ومعناه. وفي قولك:"زيدًا مررت به" يكون الظاهر دالآ على مثلِ معناه. دون لفظه، وما اجتمع فيه اللفظُ والمعنى كان أقوى في الدلالة، وإذا ضعُف النصبُ قوِي الرفعُ.
ومثله قولك:"عمرًا لقيتُ أخاه"، و"بشرًا ضربتُ غلامَه" في جَوازِ النصب، لأنّ الفعل إذا وقع بشيء من سَبَبه، فكأنّه قد وقع به. والدليلُ على ذلك أن الرجل يقول:
٢٤٦ - التخريج: البيت للشماخ في ديوانه ص ٣٢٣؛ ومقاييس اللغة ٢/ ٢٣٦. شرح المفردات: اشرقي: غصِّي. الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه. المعنى: إذا بلغتني هذا الممدوح فلن أبالي بهلكتكِ. الإعراب: "إذا": ظرف زمان متضمّن معنى الشرط متعلّق بجوابه. "بلّغتني": فعل ماضِ مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل، والنون للوقاية، والياء: ضمير متصل مبني في محلّ نصب مفعول به "وحملت": الواو: حرف عطف، حمل: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل. "رحلي": مفعول به منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: ضمير متصل مبني في محلّ جرّ مضاف إليه. "عرابة": منادى منصوب بالفتحة ممنوع من الصرف. "فاشرقي": الفاء: رابطة لجواب الشرط، اشرقي: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، والياء: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. "بدم": جارّ ومجرور متعلّقان بالفعل قبلها. "الوتين": مضاف إليه مجرور بالكسرة. وجملةإ إذا بلغتني ... ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "بلغتني": في محل جرّ مضاف إليه. وجملة "حملت": معطوفة على سابقتها، لا محلّ لها من الإعراب. وجملة النداء: استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "اشرقي": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. والشاهد فيه قوله: "فاشرقي بدم الوتين"، على أنه ليس هجاءً. وانظر ديوان الشماخ ص ٣٢٣ - ٣٢٤ (الحاشية).