حسب تفاوُت الكثرة يتفاوت التخفيفُ. لمّا كان القسم ممّا يكثر استعمالُه، ويتكرّر دَوْرُه، بالَغُوا في تخفيفه من غير جهة واحدة.
وقوله:"توخّوا ضروبًا من التخفيف" أي: قصدوا وتَحَرَّوْا أنواعًا من التخفيف.
فمن ذلك أنّهم قد حذفوا فعل القسم كثيرًا للعلم به والاستغناء عنه، فقالوا:"باللَّهِ لأقومنّ"، والمراد: أحلفُ بالله. قال الله تعالى:{بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}(١) في أحد الوجهَيْن هو القسمُ، وفي الوجه الآخر يتعلّق بقوله:"لاَ تُشْرِكْ".
وربّما حذفوا المقسم به، واجتزؤوا بدلالة الفعل عليه، يقولون:"أُقْسِم لأفعلنّ"، و"أشهدُ أفعلنّ"، والمعنى: أقسم بالله أو بالذي شاء في أُقسِم به (٢). وإنّما حُذفت لكثرة الاستعمال، وعلْمِ المخاطب بالمراد. قال الشاعر [من الطويل]:
فأُقْسِمُ لَوْ شيءٌ أتانا رَسُولُه ... سِواكَ ولكِنْ لم نَجِدْ لك مَدْفَعا (٣)
وقال الفقهاء: لو قال: "أُقْسِم"، أو "أحلفُ"، أو "أشهدُ"، ثمّ حَنِثَ، وجبتْ عليه الكَفّارةُ؛ لأنّه يصرف إلى معنى أقسم بالله ونحوه، إذ كان يلزم المسلمَ إذا حلف أن
(١) لقمان: ١٣. (٢) كذا في الطبعتين. ولعلّ الصواب: "أو بالذى شاء في أن أقسم به". ١٢٤٠ - التخريج: البيت للمسيب بن علس في خزانة الأدب ٤/ ١٤٥، ١٠/ ٨٠ - ٨١، ١١/ ٣١٨؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ١٨٥؛ وشرح شواهد المغني ١/ ١٠٩؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ١٩٧؛ وشرح الأشموني ٣/ ٥٥٣؛ وشرح التصريح ٢/ ٢٣٣؛ والكتاب ٣/ ١٠٧؛ ولسان العرب ١٢/ ٣٧٨ (ظلم)؛ ومغني اللبيب ١/ ٣٣؛ والمقاصد النحويَّة ٤/ ٤١٨. الإعراب: "فأقسم": الفاء: بحسب ما قبلها، "أقسم": فعل مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا. "أن": حرف زائد. "لو": حرف شرط غير جازم. "التقينا": فعل ماضٍ، و"نا": ضمير متصل، في محل رفع فاعل. "وأنتم": الواو: حرف عطف، "أنتم": معطوف على الضمير "نا" في محل رفع. "لكان": اللام: واقعة في جواب "لو"، "كان": فعل ماضٍ ناقص. "لكم": جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر "كان". "يوم": اسم "كان" مرفوع بالضمة. "من الشر": جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت لـ "يوم". "مظلم": نعت ثانٍ مرفوع بالضمة. جملة "أقسم": بحسب ما قبلها. وجملة "لو التقينا" الشرطية: جواب القسم لا محل لها من الإعراب. وجملة "التقينا": جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة "لكان لكم ... ": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. والشاهد فيه قوله: "وأقسم أنّ لو التقينا" حيث حُذفِ المُقْسَم به لكثرة الاستعمال، وعلم المخاطب بالمراد. (٣) تقدم بالرقم ١١٧٩.