بإدخال النون وتخليصِه للاستقبال، إذ لو قلت:"إنَّ زيدًا لَيقومُ"، جاز أن يكون للحال والاستقبال بمنزلةِ ما لا لامَ فيه. فإذا قلت:"إنّ زيدًا لَيقومنّ"، كان هذا جوابَ قسم، والمرادُ: الاستقبال لا غير. وذهب أبو عليّ إلى أنّ النون هنا غيرُ لازمة، وحكاه عن سيبويه، قال: ولَحاقُها أكثرُ. والسيرافيّ وجماعةٌ من النحويين يرون أنّ لحاق النون يقع لازمًا للفصل الذي ذكرناه، وهو الظاهر من كلام سيبويه (١)، ودْلك قوله: إِنّ اللام إنّما لزمت اليمينَ كما لزمت النون اللامَ، وهذا نصٌّ منه.
ومن ذلك فعل الأمر والنهي والاستفهام، تقول في الأمر:"اضربَنَّ زيدًا"، وفي النهي:"لا تضربَنَّ زيدًا". قال الله:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا}(٢) وقال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(٣). وتقول في الاستفهام:"هل تضربنّ جعفرًا؟ " قال الشاعر [من الطويل]:
وإيّاك والمَيْتاتِ لا تَقرَبَنَّها ... ولا تَعْبُدِ الشيْطانَ واللهَ فاعْبُدا (٤)
فقال:"لا تقربنّها" بالنون الشديدة في النهي، وقال:"والله فاعبدا"، فأتى بالنون الخفيفة مع الأمر، ثمَّ وقف فأبدل منها الألفَ. وتقول في الاستفهام:"هل تقولَنَّ ذلك؟ " قال الأعشى [من المتقارب]:
والأصل دخولها على الأمر والنهي للتوكيد. والاستفهامُ مضارعٌ للأمر؛ لأنّه واجبٌ، وفيه معنى الطلب. فإذا قلت:"هل تفعلنَّ كذا؟ " فإنّك تستدعي منه تعريفَك كما يستدعي الآمِرُ الفعلَ. وكان يونس (٥) يجيز دخولَ هذه النون في العَرْض، فيقول: "ألا
(١) انظر الكتاب ٣/ ١٠٩. (٢) الكهف: ٢٣. (٣) يونس: ٨٩. (٤) تقدم بالرقم ٢٧٦. ١٢٠٤ - التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص ٦٥؛ والدرر ٥/ ١٥١؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٣٢٤؛ والمحتسب ١/ ٣٤٩؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ٢/ ٧٨. الإعراب: "وهلْ": الواو: بحسب ما قبلها، "هل": حرف استفهام. "يمنعني": فعل مضارع مبني على الفتح، والنون: للتوكيد، والنون الثانية للوقاية. والياء: ضمير في محلّ نصب مفعول به. "ارتياد": فاعل مرفوع، وهو مضاف. "البلاد": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "من حذر": جار ومجرور متعلّقان بـ "ارتياد". "الموت": مضاف إليه مجرور. "أن": حرف مصدري ناصب. "يأتين": فعل مضارع منصوب. والنون: للوقاية، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". والياء المحذوفة للتخفيف ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والأصل: "يأتيني". وجملة "هل يمنعني": بحسب ما قبلها. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها مفعول به ثانٍ للفعل (يمنع). وجملة "يأتي": صلة الموصول الحرفى لا محلّ لها من الإعراب. والشاهد فيه قوله: "هل يمنعنّي" حيث أكّد الفعْل المضارع بنون التوكيد لوقوعه بعد استفهام. (٥) الكتاب ٣/ ٥١٤.