وقال قوم: هذا أمر ندب وإباحة كقوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة: ٢]، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا}[الجمعة: ١٠] وهذا اختيار الفراء؛ لأنه يقول: هذا الأمر ليس بفريضة، إنما هو أدب ورحمة من الله، فإن كتب فحسن، وإن لم يكتب فلا بأس (١).
قال ابن الأنباري: وهو اختيارنا؛ لاتفاق أكثر العلماء عليه، ولأن الأمر لو كان حتمًا لم يكن المسلمون ليقدموا على خلاف نصّ القرآن في أسواقهم، ولكان فيه أعظم التشديد على الناس والتغليظ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:"بُعِثْتُ بالحنفية السمحة"(٢).
وقال آخرون: كانت الكتابة والإشهاد أو الرهن فرضًا، ثم نسخ ذلك بقوله:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} إن أشهدت فَحَزْم (٣)، وإن تركت ففي حلٍّ وسعة (٤).
وقال التيِمي: سألت الحسن عنها فقال: إن شاء أشهدَ، وإن شاء لم يُشْهِدْ، ألا تسمع قوله:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}(٥).
(١) "معاني القرآن" للفراء. (٢) رواه أحمد ٥/ ٢٦٦. قال السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص١٠٩: وسنده حسن. (٣) في (م) (فجزم). (٤) وهذا قول الشعبي، رواه الثوري في "تفسيره" ص ٧٣، وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٤٥، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٦/ ٩٧، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١١٨، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٧٠، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص ٢٦٣، وقال: وهذا ليس بنسخ؛ لأن الناسخ ينافي المنسوخ، ولم يقل هاهنا: فلا تكتبوا ولا تشهدوا، وإنما بين التسهيل في ذلك. وينظر: "تفسير القرطبي" ٣/ ٣٨٣، و"النسخ في القرآن" لمصطفى زيد ٢/ ٦٨٣. (٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١١٨، وفي "النكت والعيون" ١/ ٣٥٤ بمعناه.