اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ} ثم قال:{فَمَا أَصْبَرَهُمْ}، كأنه قال: من كان بهذه الصفة فما أصبرهم على النار، فعومل معاملة المعنى الذي تضمنه حتى كأنه قد لفظ به.
فأما المعنى: ففيه وجهان لأهل التأويل (١):
أحدهما: أن (ما) هاهنا تعجب (٢)، كقولهم: ما أحسن زيدًا. فما: رفع بالابتداء، وأحسن: فعل ماض، وهو خبر الابتداء، وفيه ضمير يرجع إلى ما وهو فاعل أحسن، وزيدًا (٣): نصب (٤) بأحسن، والتقدير: شيء أحسن هو زيدًا؛ وخُصَّتْ لفظة ما بالتعجب لإبهامها، وهي واقعة على الشيء الذي تتعجب منه، وذلك الشيء ليس مما يعقل (٥).
فإن قيل: قد قلتم: إن (ما) استعمل لإبهامها، فهلا استعمل (الشيء) إذ كان أبهم الأشياء؟
قيل: إن الشيء ربما يستعمل للتقليل، فلو قلت: شيء حسَّن زيدًا، لجاز أن يعتقد أنك تقلل المعنى الذي حسن زيدًا، وأيضًا: فإن الغالب في قولك: شيء حسّن زيدًا، أنه خبر عن معنى مستقر، وما يتعجب منه، فحقه أن يبهرك في الحال، فأما ما قد استقر وعرف فلا (٦) يجوز التعجب منه،
(١) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٩٠، "المحرر الوجيز" ١/ ٧٥ - ٧٦، "زاد المسير" ١/ ١٧٦ - ١٧٧. (٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥٩، قال في "البحر المحيط" ١/ ٤٩٤: والأظهر أنها تعجبية، وهو قول جمهور المفسرين. (٣) في (أ): (نصبت). (٤) في (أ): (نصبت). (٥) "البحر المحيط" ١/ ٤٩٤. (٦) سقطت من (ش).