قال أبو سعيد: جئت بغير شيء، إنما يراد به جئت خاليا من (١) شيء معك، وهذا معنى قوله: رائقا، لأن الرائق هو الخالى، واشتقاقه من راق الشّراب: إذا صفا، كأنه جاء ولم يعلق به شيء.
وقوله:«حين لا حين محن» حين منصوب بلا، كقولك: لا مثل زيد، ولا غلام امرأة، وخبره محذوف، التقدير [حين (٢)] لا حين محنّ لنا (٣)، و «حين» الأول مضاف إلى الجملة، التى هى لا حين محنّ لنا، كما تضاف أسماء الزمان إلى الجمل.
وأما قول جرير:«حين لا حين» فحين الأول مضاف إلى الثانى، وفصلت «لا» بين الخافض والمخفوض، كفصلها فى: جئت بلا شيء، كأنه قال: حين لا حين فيه لهو ولعب، أو نحو ذلك من الإضمار، لأن المشيب يمنع من اللهو واللّعب.
قال سيبويه (٤): واعلم أن المعارف لا تجرى مجرى النكرات فى هذا الباب، لأن «لا» لا تعمل فى معرفة، فأما قول الشاعر:
لا هيثم اللّيلة للمطىّ (٥)
فإنه جعله نكرة، أراد لا مثل هيثم، وقال ابن الزّبير (٦) الأسدىّ:
أرى الحاجات عند أبى خبيب ... نكدن ولا أميّة فى البلاد
(١) فى هـ: «عن». وما فى الأصل جاء مثله فى حواشى الكتاب ٢/ ٣٠٣، عن أبى سعيد السيرافىّ أيضا. (٢) تكملة من الخزانة ٤/ ٤٥، عن الأعلم الشنتمرى. (٣) هكذا فى الأصل وهـ، ونصّ عليه البغدادى وقيّده «بالنون» حكاية عن ابن الشجرى، وجعله ناشر الطبعة الهندية: «لها» بالهاء! (٤) الكتاب ٢/ ٢٩٦. (٥) الكتاب، والمقتضب ٤/ ٣٦٢، والأصول ١/ ٣٨٢، والمسائل المنثورة ص ٩٧، والخزانة ٤/ ٥٧، وحواشى تلك الكتب. وقيل فى هيثم هذا: إنه هيثم بن الأشتر، وكان مشهورا بين العرب بحسن الحداء، وبمعرفة البيداء. (٦) الزّبير، بفتح الزاى، واسمه عبد الله. والبيت فى الموضع السابق من الكتاب، والمقتضب والأصول ١/ ٣٨٣، والمسائل المنثورة، الموضع السابق، والخزانة ٤/ ٦١، وينسب إلى فضالة بن شريك. انظر ذيل ديوان عبد الله بن الزّبير ص ١٤٦.