وقوله:{وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} قال قتادة بن دعامة: ذكر لنا أن الغيبة أن تذكر أخاك بما يشينه، وتعيبه بما فيه، فإن كذبت عليه فذاك البهتان، وقال الزّجّاج (١): الغيبة أن تذكر الإنسان من خلفه بسوء، وإن كان فيه السّوء، فأمّا ذكره بما ليس فيه فذلك البهت والبهتان، كذلك جاء عن النبىّ صلى الله عليه وآله وسلّم.
وقوله:{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} الهاء فى {فَكَرِهْتُمُوهُ} عائدة على الأكل، وفى الكلام اختصار/شديد، والتقدير فيما أراه أن الجملة التى هى {فَكَرِهْتُمُوهُ} خبر لمبتدإ مقدّر، وبعدها تقدير كلامين حذفا للدلالة عليهما، كأنه قيل: فأكل لحم أخيكم ميتا كرهتموه، والغيبة مثله فاكرهوها، والجملة من المبتدأ المحذوف وخبره معطوفة على الجواب الذى يقتضيه الاستفهام، لأن قوله:{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} جوابه:
لا و «لا» إنما تقع فى الجواب نائبة عن جملة، وكذلك كل حرف جوابىّ، نحو بلى ونعم، يقوم مقام جملة، فإذا قال القائل: ألم أكرمك؟ قلت: بلى، فالتقدير: بلى قد أكرمتنى، وإن قلت: لا، فالتقدير: لا لم تكرمنى، فالحرف الجوابىّ ينوب عن هذه الجملة، وربّما جيء بها مذكورة بعده توكيدا كقوله تعالى:{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ* قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ}(٢) وإذا عرفت هذا فجواب قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} تقديره: لا يحبّ أحد منّا ذلك، فقيل لهم: فأكل لحم أخيكم ميتا كرهتموه، والغيبة مثله فاكرهوها. {وَاِتَّقُوا اللهَ} فيجوز أن يكون قوله: {وَاِتَّقُوا اللهَ} معطوفا على هذا الأمر المقدّر، ويجوز أن يكون معطوفا على ما تقدّم من الجملة الأمريّة فى أول الآية، وهى قوله:{اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ}
(١) معانى القرآن ٥/ ٣٧. (٢) من الآيتين الثامنة والتاسعة من سورة الملك.