والسّبق هاهنا: السّبق إلى الطاعات لله، والخيرات: الأعمال الصالحة، والتقدير: فمنهم فريق ظالم لنفسه، ومنهم فريق مقتصد، ومنهم فريق سابق بالخيرات (١).
وفى الظالم لنفسه ثلاثة أقوال، قيل: الموحّد الحامل كتاب الله، الذى يشوب مع صحّة العقد فى التوحيد أعمالا سيّئة بأعمال صالحة، كما قال تعالى:{خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً}(٢) وقيل: هو المنافق، وقيل: هو الكافر، ودليل القول الأول فيما حكاه الزّجّاج، الخبر المروىّ عن عمر رضوان الله عليه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له»(٣) فعلى هذا يقدّر مفعول الاصطفاء من قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اِصْطَفَيْنا} مضافا حذف، كما حذف المضاف فى:{وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}(٤) أى اصطفينا دينهم، فبقى: اصطفيناهم، فحذف العائد إلى الموصول كما حذف فى قوله تعالى:{وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ}(٥) أى تزدريهم، وقد ذكرنا فيما تقدم (٦) علّة حسن حذف العائد إذا كان منصوبا، فالاصطفاء إذا موجّه إلى دينهم، كما قال تعالى:{إِنَّ اللهَ اِصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ}(٧).
وقوله عليه السلام:«سابقنا سابق» أى سابقنا إلى الطاعات سابق إلى الجنات،
(١) بحاشية الأصل: «قرئ «سبّاق» ومعنى بِإِذْنِ اللهِ أى بتيسيره وتوفيقه، وقدّم الظالم لأنه الكثير، والمقتصدون قليل، والسابقون أقلّ من القليل. من خط تلميذ ابن هشام». قلت: سبّاق، بتشديد الباء، وهى قراءة أبى المتوكل والجحدرى وابن السميفع، كما ذكر ابن الجوزى فى زاد المسير ٦/ ٤٩٠، وانظر البحر ٧/ ٣١٤. وهذه الحاشية المنقولة من خط تلميذ ابن هشام هى من كلام الزمخشرى فى الكشاف ٣/ ٣٠٩. (٢) سورة التوبة ١٠٢. (٣) روى عن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، موقوفا وروى عن أنس عن النبى صلّى الله عليه وسلم. الدر المنثور ٧/ ٢٥ [طبعة دار الفكر-بيروت ١٤٠٣ هـ-١٩٨٣ م]، وانظر حواشى زاد المسير ٦/ ٤٨٩، وللزمخشرى عليه كلام، انظره فى الموضع السابق من الكشاف. وانظر معانى القرآن للزجاج ٤/ ٢٦٨ (٤) سورة يوسف ٨٢. (٥) سورة هود ٣١. (٦) فى المجلس الأول. (٧) سورة البقرة ١٣٢.