بكم ربى، أى أىّ مبالاة يبالى ربّى بكم، وحذف جواب «لولا» كما حذف جواب «لو» فى قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى}(١) أى لكان هذا القرآن، والمصدر الذى هو الدعاء على هذا القول مضاف إلى مفعوله، فى قول الفرّاء (٢)، وفاعله محذوف، فالتقدير: لولا دعاؤه (٣) إياكم، أى لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام، وجواب «لولا (٤)» تقديره: لم يعبأ بكم، أى لولا دعاؤه إياكم إلى توحيده لم يبل (٥) بذكركم.
وذهب ابن قتيبة (٦)، -وهو قول أبى علىّ الفارسىّ-إلى أن الدعاء مضاف إلى فاعله، والمفعول محذوف، الأصل (٧): لولا دعاؤكم آلهة من دونه، وجواب «لولا» تقديره فى هذا الوجه: لم يعذبكم، ونظير قوله: لولا دعاؤكم آلهة من دونه قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ}(٨).
وقوله:{فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} أى كذّبتم بما دعيتم إليه، هذا على القول الأول، وكذبتم بوحدانية الله، على القول الثانى {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً} أى يكون تكذيبكم ملازما لكم، والمراد جزاء تكذيبكم، كما قال الله تعالى:{وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً}(٩) أى جزاء ما عملوا، وكما قال جلّ وعلا:{هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}(١٠) أى جزاء ما كنتم تكنزون، وحسن إضمار التكذيب لتقدّم ذكر فعله،
(١) سورة الرعد ٣١. (٢) معانى القرآن ٢/ ٢٧٥. (٣) فى الأصل: «لولا دعاؤكم إياكم»، وأثبتّ ما فى هـ، والذى فى القرطبى فيما حكاه عن ابن الشجرى: «لولا دعاؤكم، أى لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه»، واكتفى الفراء فى التقدير بقوله: «لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام». (٤) فى القرطبى عن ابن الشجرى: «وجواب لولا محذوف تقديره. . .» هنا وفى الموضع الآتى. (٥) بضم الياء وفتح الباء. وسيأتيك الكلام عليه إن شاء الله، فى المجلس الرابع والخمسين. (٦) فى الموضع السابق من تأويل مشكل القرآن. (٧) فى هـ: «والأصل» بإقحام الواو. (٨) سورة الأعراف ١٩٤. (٩) سورة الكهف ٤٩. (١٠) سورة التوبة ٣٥.