وأمّا رجل من قوله:«أننى رجل» فخبر موطّئ (١)، وإنما الخبر فى الحقيقة هو الجملة التى وصف بها رجل، والخبر الموطّأ هو الذى لا يفيد بانفراده ممّا بعده، كالحال الموطّئة (٢) فى نحو: {إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا}(٣) ألا ترى أنّك لو اقتصرت على رجل هنا لم تحصل به فائدة، وإنما الفائدة مقرونة بصفته، فالخبر الموطّأ كالزيادة فى الكلام، فلذلك عاد الضّميران اللذان هما الياءان فى «مخاطبتى» و «لم ترنى» إلى الياء فى «أنّنى»، ولم يعودا على «رجل»؛ لأن الجملة فى الحقيقة خبر عن الياء فى «أنّنى»، وإن كانت بحكم اللفظ صفة لرجل، فلو (٤) قلت: إنّ «رجل»، لمّا كان هو الياء التى فى «أنّنى» من حيث وقع خبرا عنها عاد الضّميران إليه على المعنى-كان قولا. ونظيره عود الياء إلى «الذى» فى قول علىّ عليه السلام:
أنا الذى سمّتن أمّى حيدره (٥)
لمّا كان «الذى» هو «أنا» فى المعنى (٦)، وليس هذا ممّا يحمل على الضّرورة؛ لأنه قد جاء مثله فى القرآن، نحو:{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}(٧) فتجهلون فعل خطاب وصف به اسم غيبة كما ترى، ولم يأت بالياء وفاقا ل {قَوْمٌ}، ولكنه جاء وفق المبتدأ الذى هو {أَنْتُمْ} فى الخطاب، ولو قيل: بل أنتم قوم، لم
(١) فى النّسخ الثلاث: «موطّأ» بفتح الطاء، هنا وفى المواضع الآتية، وكذلك جاء فى أصول الخزانة ٦/ ٦٢، فيما حكاه البغدادىّ عن ابن الشجرى، وصحّحه شيخنا عبد السلام هارون، رحمه الله رحمة سابغة. وكذلك جاء على الصواب فى المغنى ص ٦٦٧. وانظر التعليق التالى. (٢) فى النّسخ الثلاث «الموطّأة» وصحّحت بحاشية الأصل بخط الناسخ نفسه: «الموطّئة». والحال الموطّئة معروفة فى كتب النحو. (٣) سورة يوسف ٢. وانظر إعراب القرآن للنحاس ٢/ ١١٩، والمشكل ١/ ٤١٨، والمغنى ص ٥٨٧. (٤) فى ط، د: ولو. (٥) فرغت منه فى المجلس الموفى السّتين. (٦) راجع كتاب الشعر ص ٣٩٩. (٧) سورة النمل ٥٥.