المرأة، وإن لم يجز عندهم: قام المرأة، إلاّ مع الفصل فى الشّعر؛ لأن المرأة فى قولهم: نعم المرأة، واقعة على الجنس وقوع الإنسان على الناس، فى قوله تعالى:
{وَإِنّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها}(١) وقوله: {إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً}(٢) ألا ترى أنه قال بعد فى الآية الأولى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ} وقال فى الآية الثانية: {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ} ولو قلت: قام زيد إلاّ إخوتك، كان محالا؛ لأن حدّ الاستثناء عكس هذا.
وإذا كان ما يرتفع بنعم وبئس واقعا على الفريقين، وكان التقدير فى قولنا: نعم الرجل زيد، وبئس الغلام خالد: زيد محمود فى الرجال، وخالد مذموم فى الغلمان، فمعلوم أن أسماء الأجناس والجموع تذكّر أفعالهما وتؤنّث، كما جاء فى آية {إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ}(٣) وفى أخرى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ}(٤) وجاء فى وصف اسم الجمع:
{كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}(٥)، و {كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ}(٦) فذكّر فعل الجمع وأنّث، وذكّرت صفة [اسم (٧)] الجنس وأنّثت، فنعم المرأة إذن بمنزلة {وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ}(٨) ونعمت المرأة بمنزلة قول الشاعر:
آمت نساء بنى أميّة منهم ... وبناتهم بمضيعة أيتام (٩)
(١) سورة الشورى ٤٨. (٢) سورة المعارج ١٩. (٣) سورة آل عمران ٤٥، وانظر ٤٢. (٤) سورة الحجر ٣٠، وسورة ص ٧٣. (٥) سورة القمر ٢٠. (٦) سورة الحاقة ٧. (٧) من د. (٨) سورة يوسف ٣٠. (٩) نسبه الجاحظ إلى الكميت. البيان والتبيين ٣/ ٣٥٧، وهو لأبى العباس الأعمى فى الأغانى ١٦/ ٣٠٠، ومروج الذهب ٣/ ٢٩٥ (فى أخبار أبى جعفر المنصور)، ونكت الهميان ص ١٥٥. وأبو العباس الأعمى: هو السائب بن فرّوخ، كان هجّاء خبيثا، مائلا إلى بنى أميّة مادحا لهم، واستفرغ شعره فى هجاء آل الزبير، غير مصعب؛ لأنه كان يحسن إليه. انظر مع المراجع المذكورة: الأخبار الموفقيات ص ٥٤٢.