أَي: ليس الأَمر كما زعموا وادعوا أَن القرآن أَساطير وأَكاذيب الأَولين، بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله محمد ﷺ وإنما حجب قلوبهم عن الإِيمان به ما عليها من الرين الذي قد لبس قلوبهم وغطاها من كثرة الذنوب والخطايا، فعن أَبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال:"إِنَّ العبدَ إِذا أذنب ذنبًا كانتْ نكتة سَوداءَ في قلبه، فإِن تابَ صقل قَلبه، فإِنْ زادَ زادت" فذلك قول الله -تعالى-: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) وقال الحسن البصري: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت.
أَي: حقًّا إِنَّهُمْ مع ما يلقونه من الضيق الشديد في سجن مقيم وعذاب أَليم هم أَيضًا محجوبون وممنوعون من رؤْية ربهم وخالقهم في الآخرة، قال الزجاج: في هذه الآية دليل على أَن الله ﷿ يُرى في القيامة، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة، ولا خسَّت (١) منزلة الكفار بأَنهم يحجبون، وقال -جل ثناؤُه-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)(٢) فأَعلم الله - جل ثناؤُه- أَن المؤمنين ينظرون إِليه، وأَعلم أَن الكفار محجوبون عنه.
وقال مالك بن أَنس: لما حجب أَعداءَه فلم يروه تجلى لأَوليائه حتى رأَوه. وقال الشافعي
(١) خس الشيء يخس: من بابي ضرب وتعب، خساسة: حقر فهو خسيس. المصباح المنير. (٢) سورة القيامة، الآيتان: ٢٢، ٢٣