ولهذا - لما جاءَ الإِسلام - عادوه بألوان العداء، وشنوا عليه الحروب الطاغية: بقوة السلاح، أو بالدسائس والمؤامرات، أَو بمحاولة تشويهه بما دسُّوا فيه من الإسرائيليات: ﴿حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ (١) ولا يزال هذا دأبهم حتى الآن.
ولهذا صدرتهم الآية، وصرحت بهم.
ثانيًا - المشركون: وهم كفار مكة وأَمثالهم. فقد قاوموا الدعوة الإِسلامية مقاومة عنيفة؛ لأن الإِسلام يحدُّ من طغيانهم وعصبياتهم الحمقاء، وما أعتادوه من إستعْلاء وكبرياء وهم - إلى هذا - تشتعل نفوسهم بالحسد والبغضاء للرسول ﷺ، فقالوا: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)﴾ (٢) وجاهروا المسلمين بالعداء، حتى قالوا: ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾ (٣) وما زالوا بهم تعذيبا واضطهادا، حتى أَخرجوهم من ديارهم، وصادروا أموالهم.
ثالثا - النصارى: أَنكر الإِسلام على النصارى إيمانهم بالفداء، وبحدوث الصلب وعقيدة التثليث، ولكنه مَع هذا أَنصف المسيح ﵇ ورفعه إِلى مكانته السامية الجديرة به، ونادى بطهارة السيدة مريم وأفضليتها على النساء.
والمسيحية - في كتابهم (٤) - تقوم على التسامح، ومقابلة الإِساءة بالاحسان، وعلى النفور من العدوان.
كما تقوم المسيحية أيضًا: على الحد من الشهوات والمطامع، وحب الاستعلاء وهي - في هذا - تقارب الإِسلام.
ونظرا لأَن هذه المبادئ تدعو إِلى المسامحة، فإِنهم لم يقابلوا الإِسلام بالعداوة والبغضاء، كما فعل اليهود.
(١) البقرة، من الآية: ١٠٩ (٢) الزخرف، من الآية: ٣١ (٣) الأنعام، من الآية: ٥٣ (٤) ورد في إنجيل لوقا: ٦/ ٢٧ - ٢٩: "أيها السامعون أَحبوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، باركوا لاعنيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم. من ضربك على خدك فأعرض له الآخر أيضًا .. ".