أصحها وأجمعها وأمنعها ما ذكره فضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- في كتابه «الأصول، من علم الأصول»(١)، وهو:«رفعُ حكمِ دليلٍ شرعيٍّ أو لفظِه بدليلٍ من الكتابِ والسنَّةِ».
الوقفة الثانية في:
مجمل القول في قضايا ودعاوى النسخ في القرآن الكريم
كثُرت دعاوى النسخ في القرآن الكريم بسبب توسع السلف والمتقدمين في إطلاق مدلول النسخ- كما سبق بيانه- حتى بلغت قريبًا من ثلاثمئة دعوى.
والحقيقة أن القضايا التي اشتهر فيها القول بالنسخ وَفق المعنى الاصطلاحي الصحيح للنسخ، لا تتجاوز إحدى عشرة قضية، يمكن تقسيمها على النحو الآتي:
أولًا: القضايا التي تَرَجح أو صح القول فيها بالنسخ:
وهي خمس قضايا، وهي كما يلي:
١ قوله تعالى في سورة البقرة:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الآية: ١٨٤].
فكان المسلم مخيَّرًا في أول فرض الصيام بين الصيام أو الإطعام، فنسخ هذا التخيير بقوله تعالى بعد هذه الآية:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[الآية: ١٨٥](٢).
٢ مفهوم قوله تعالى في سورة النساء:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}[الآية: ٤٣].
فمفهوم هذه الآية إباحة السكر في غير وقت الصلاة، وقد نُسخ هذا المفهوم بتحريم السكر مطلقًا في قوله تعالى في سورة المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ