[ج- الحكمة من نهي أهل الكتاب في القرآن الكريم عن الغلو في الدين]
نهى الله -عز وجل- أهل الكتاب في القرآن الكريم عن الغلو في الدين؛ تحذيرًا لهم، وتحذيرًا أيضًا لهذه الأمة من الغلو في الدين، وسلوك مسلك أهل الكتاب، ولذا نحن نقول في الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٦ - ٧]؛ أي: ندعو الله بالسلامة من طريق اليهود الذين عرفوا الحق وتركوه، ومن طريق النصارى الذين عبدوا الله على جهل وضلال.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تُطْرُوني كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مَريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله»(١).
[د- أقسام الغلو في الدين]
ينقسم الغلو في الدين إلى قسمين:
١ القسم الأول: الغلو في العقيدة: كقول اليهود: عُزَيرٌ ابن الله، وقول النصارى: المسيح ابن الله. تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.
وكقول بعضهم للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنت سيدنا وابن سيدنا»، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «أيها الناس، قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان، إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله»(٢).
ومن هذا قول البوصيري في «البردة»(٣):
يا أكرمَ الخلقِ ما لي من أَلُوذُ به … سواك عند حلولِ الحادث العَمِمِ
(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (٣٤٤٥)، وأحمد ١/ ٢٣، ٢٤ (١٥٤، ١٦٤) من حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم-. (٢) أخرجه أبو داود في الأدب (٤٨٠٦)، والنسائي في «الكبرى» ٦/ ٧٠ (١٠٠٧٦). وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (١٥٥/ ٢١١) من حديث مطرف بن عبد الله عن أبيه -رضي الله عنه-. (٣) ص ٢٢.