تَعَالَى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} يَعْنِي: عِيسَى {أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ} الْإِنْجِيلَ (١) .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} يَعْنِي مُحَمَّدًا {أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ} أَيِ الْقُرْآنَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ الْقُرَظِيَّ مِنَ الْيَهُودِ، وَالرَّئِيسَ (٢) مِنْ نَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ قَالَا يَا مُحَمَّدُ تُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَكَ وَنَتَّخِذَكَ رَبًّا فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ مَا بِذَلِكَ أَمَرَنِي اللَّهُ، وَلَا بِذَلِكَ أَمَرَنِي (٣) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ (٤) {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} أَيْ مَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: " مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا " (سُورَةُ، النُّورِ الْآيَةُ: ١٦) أَيْ مَا يَنْبَغِي لَنَا، وَالْبَشَرُ: جَمِيعُ بَنِي آدَمَ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، كَالْقَوْمِ وَالْجَيْشِ وَيُوضَعُ مَوْضِعَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، {أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ} الْفَهْمَ وَالْعِلْمَ وَقِيلَ: إِمْضَاءَ الْحُكْمِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، {وَالنُّبُوَّةَ} الْمَنْزِلَةَ الرَّفِيعَةَ بِالْأَنْبِيَاءِ، {ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا} أَيْ: وَلَكِنْ يَقُولُ كُونُوا، {رَبَّانِيِّينَ}
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: كُونُوا فُقَهَاءَ عُلَمَاءَ وَقَالَ قَتَادَةُ: حُكَمَاءَ وَعُلَمَاءَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْعَالِمُ الَّذِي يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فُقَهَاءَ مُعَلِّمِينَ.
وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: عُلَمَاءَ حُكَمَاءَ نُصَحَاءَ لِلَّهِ فِي خَلْقِهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سَمِعْتُ رَجُلًا عَالِمًا يَقُولُ: الرَّبَّانِيُّ الْعَالِمُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، (٥) الْعَالِمُ بِأَنْبَاءِ الْأُمَّةِ (٦) مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّونَ فَوْقَ الْأَحْبَارِ، وَالْأَحْبَارُ: الْعُلَمَاءُ، وَالرَّبَّانِيُّونَ: الَّذِينَ جَمَعُوا مَعَ الْعِلْمِ الْبَصَارَةَ بِسِيَاسَةِ النَّاسِ.
قَالَ الْمُؤَرِّجُ: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ تَدِينُونَ لِرَبِّكُمْ، مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ، كَانَ فِي الْأَصْلِ رَبِّيٌّ فَأُدْخِلَتِ الْأَلِفُ لِلتَّفْخِيمِ، ثُمَّ أُدْخِلَتِ النُّونُ لِسُكُونِ الْأَلِفِ، كَمَا قِيلَ: صَنْعَانِيٌّ وَبَهْرَانِيٌّ.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُمْ أَرْبَابُ الْعِلْمِ سُمُّوا بِهِ لِأَنَّهُمْ يُرَبُّونَ الْعِلْمَ، وَيَقُومُونَ بِهِ وَيُرَبُّونَ الْمُتَعَلِّمِينَ بِصِغَارِ الْعُلُومِ
(١) أسباب النزول للواحدي ص (١٤٦) .(٢) في ب "ليس" وهو خطأ. وفي الواحدي "الرييس".(٣) في ب: بعثني.(٤) رواه ابن إسحاق في السيرة، وعنه أخرجه الطبري في التفسير: ٦ / ٥٣٩ وانظر: لباب النقول للسيوطي بهامش الجلالين ص ١٣١.(٥) في أ: الآمر والناهي.(٦) الأمة: ساقط من: أ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute