يَعْنِي لَا إِثْمَ عَلَى مَنْ تَعَجَّلَ فَنَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي تَعْجِيلِهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ حَتَّى يَنْفِرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} فِي تَأَخُّرِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ {فَمَنْ تَعَجَّلَ} فَقَدْ تَرَخَّصَ {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} بِالتَّرَخُّصِ {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} بِتَرْكِ التَّرَخُّصِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ رَجَعَ مَغْفُورًا لَهُ، لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ تَعَجَّلَ أَوْ تَأَخَّرَ، كَمَا رَوَيْنَا مَنْ "حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمٍ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (١) وَهَذَا قَوْلُ عَلَيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِمَنِ اتَّقَى} أَيْ لِمَنِ اتَّقَى أَنْ يُصِيبَ فِي حَجِّهِ شَيْئًا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا قَالَ: "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ" قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّمَا جُعِلَتْ مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ تَعَالَى فِي حَجِّهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ {لِمَنِ اتَّقَى} الصَّيْدَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ صَيْدًا حَتَّى تَخْلُوَ (٢) أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ ذَهَبَ إئمه إِنِ اتَّقَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ [ {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} تُجْمَعُونَ فِي الْآخِرَةِ فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ] (٣) .
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (٢٠٤) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (٢٠٥) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (٢٠٦) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَعَطَاءٌ: نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثَّقَفِيِّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ وَاسْمُهُ أُبَيٌّ وَسُمِّيَ الْأَخْنَسَ لِأَنَّهُ خَنَسَ يَوْمَ بَدْرٍ بِثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ عَنْ قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَكَانَ رَجُلًا حُلْوَ الْكَلَامِ، حُلْوَ الْمَنْظَرِ، وَكَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُجَالِسُهُ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، وَيَقُولُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَيَحْلِفُ بِاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مُنَافِقًا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِي مَجْلِسَهُ فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (٤) أَيْ تَسْتَحْسِنُهُ وَيَعْظُمُ فِي قَلْبِكَ، وَيُقَالُ فِي الِاسْتِحْسَانِ أَعْجَبَنِي كَذَا وَفِي الْكَرَاهِيَةِ وَالْإِنْكَارِ عَجِبْتُ مِنْ كَذَا {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} يَعْنِي قَوْلَ الْمُنَافِقِ: وَاللَّهِ إِنِّي بِكَ مُؤْمِنٌ وَلَكَ مُحِبٌّ {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} أَيْ شَدِيدُ الْخُصُومَةِ، يُقَالُ لَدَدْتَ يَا هَذَا وَأَنْتَ تَلِدُّ لَدًّا وَلَدَادَةً، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنَّهُ غَلَبَ عَلَى خَصْمِهِ قُلْتَ: لَدَّهُ يَلِدُّهُ لَدًّا، يُقَالُ: رَجُلٌ أَلَدُّ وَامْرَأَةٌ لَدَّاءُ وَقَوْمٌ لُدٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا" (٩٧-مَرْيَمَ) . قَالَ الزَّجَّاجُ: اشْتِقَاقُهُ مِنْ لَدِيدَيِ الْعُنُقِ وَهُمَا صَفْحَتَاهُ، وَتَأْوِيلُهُ: أَنَّهُ فِي أَيِّ وَجْهٍ أَخَذَ مِنْ يَمِينٍ أَوْ شِمَالٍ فِي أَبْوَابِ الْخُصُومَةِ غَلَبَ،
(١) سبق تخريجه - انظر: ص٢٢٧.(٢) يعني: تنقضي.(٣) ساقط من: ب.(٤) انظر: الطبري: ٤ / ٢٢٩، أسباب النزول للواحدي ص (٩٦) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute