وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: {مَا تَقَدَّمَ} مِمَّا عَمِلْتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، {وَمَا تَأَخَّرَ} كُلُّ شَيْءٍ لَمْ تَعْمَلْهُ، وَيُذْكَرُ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّأْكِيدِ، كَمَا يُقَالَ: أَعْطَى مَنْ رَآهُ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ، وَضَرَبَ مَنْ لَقِيَهُ وَمَنْ لَمْ يَلْقَهُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: {مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} يَعْنِي ذَنْبَ أَبَوَيْكَ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِبَرَكَتِكَ، {وَمَا تَأَخَّرَ} ذُنُوبُ أُمَّتِكَ بِدَعْوَتِكَ. (١)
{وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ، {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} أَيْ يُثَبِّتُكَ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى لِيَجْتَمِعَ لَكَ مَعَ الْفَتْحِ تَمَامُ النِّعْمَةِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ. وَقِيلَ: وَيَهْدِيَكَ أَيْ يَهْدِي بِكَ.
{وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (٣) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لَيْزَدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (٤) }
{وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} غَالِبًا. وَقِيلَ: مُعِزًّا.
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} الطُّمَأْنِينَةَ وَالْوَقَارَ، {فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} لِئَلَّا تَنْزَعِجَ نُفُوسُهُمْ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ سَكِينَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ طُمَأْنِينَةٌ إِلَّا الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقْرَةِ، {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا صَدَّقُوهُ زَادَهُمُ الصَّلَاةَ ثُمَّ الزَّكَاةَ ثُمَّ الصِّيَامَ ثُمَّ الْحَجَّ ثُمَّ الْجِهَادَ، حَتَّى أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ (٢) ، فَكُلَّمَا أُمِرُوا بِشَيْءٍ فَصَدَّقُوهُ ازْدَادُوا تَصْدِيقًا إِلَى تَصْدِيقِهِمْ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَقِينًا مَعَ يَقِينِهِمْ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: هَذَا فِي أَمْرِ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ.
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} .
(١) انظر: القرطبي: ١٦ / ٢٦٣.
(٢) أخرجه الطبري: ٢٦ / ٧٢، وزاد السيوطي في الدر المنثور: ٧ / ٥١٤ عزوه لابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.