فَتَثَاقَلَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَعْرَابِ وَتَخَلَّفُوا وَاعْتَلُّوا بِالشُّغْلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ (١) : "سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ" يَعْنِي الَّذِينَ خَلَّفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ صُحْبَتِكَ، إِذَا انْصَرَفْتَ إِلَيْهِمْ فَعَاتِبْهُمْ عَلَى التَّخَلُّفِ.
{شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} يَعْنِي النِّسَاءَ وَالذَّرَارِي، أَيْ لَمْ يَكُنْ لَنَا مَنْ يَخْلُفُنَا فِيهِمْ {فَاسْتَغْفِرْ لَنَا} تَخَلُّفَنَا عَنْكَ، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي اعْتِذَارِهِمْ، فَقَالَ:
{يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} مِنْ أَمْرِ الِاسْتِغْفَارِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُبَالُونَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَا.
{قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} [سُوءًا] (٢) ، {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "ضُرًّا" بِضَمِّ الضَّادِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِالنَّفْعِ وَالنَّفْعُ ضد الضر، ١٢٩/ب وَذَلِكَ أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ تَخَلُّفَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْفَعُ عَنْهُمُ الضَّرَّ، وَيُعَجِّلُ لَهُمُ النَّفْعَ بِالسَّلَامَةِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ: إِنْ أَرَادَ بِهِمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهِ. {بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} .
{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (١٢) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٤) }
{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} أَيْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ يَسْتَأْصِلُهُمْ فَلَا يَرْجِعُونَ، {وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ} زَيَّنَ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ الظَّنَّ فِي قُلُوبِكُمْ، {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةُ رَأْسٍ، فَلَا يَرْجِعُونَ، فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ مَعَهُ، انْتَظِرُوا مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِمْ. {وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} هَلْكَى لَا تَصْلُحُونَ لِخَيْرٍ.
{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
(١) انظر: القرطبي: ١٦ / ٢٦٨.(٢) زيادة من "ب".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute