{عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) }
فذلك قوله عز وجل: {عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} يَعْنِي: نَأْتِي بِخَلْقٍ مِثْلِكُمْ بَدَلًا مِنْكُمُ، {وَنُنْشِئَكُمْ} نَخْلُقُكُمْ {فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} مِنَ الصُّوَرِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: فِي أَيِّ خَلْقٍ شِئْنَا (١) .
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيْ نُبَدِّلَ صِفَاتَكُمْ فَنَجْعَلَكُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، كَمَا فَعَلْنَا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ (٢) يَعْنِي: إِنْ أَرَدْنَا أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ مَا فَاتَنَا ذَلِكَ. وَقَالَ سَعِيدُ بن المسيب: "فيما لَا تَعْلَمُونَ" يَعْنِي: فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ سُودٍ، تَكُونُ بِبَرَهُوتَ كَأَنَّهَا الْخَطَاطِيفُ، وبَرَهُوتُ وَادٍ بِالْيَمَنِ (٣) . {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} الْخِلْقَةَ الْأُولَى وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا. {فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} أَنِّي قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِكُمْ كَمَا قَدَرْتُ عَلَى إِبْدَائِكُمْ. {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} يَعْنِي: تُثِيرُونَ مِنَ الْأَرْضِ وَتُلْقُونَ فِيهَا مِنَ الْبَذْرِ. {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ} تُنْبِتُونَهُ {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} الْمُنْبِتُونَ. {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} قَالَ عَطَاءٌ: تِبْنًا لَا قَمْحَ فِيهِ وَقِيلَ: هَشِيمًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي مَطْعَمٍ وَغِذَاءٍ {فَظَلْتُمْ} وَأَصْلُهُ: فَظَلَلْتُمْ حُذِفَتْ إِحْدَى اللَّامَيْنِ تَخْفِيفًا. {تَفَكَّهُونَ} تَتَعَجَّبُونَ بِمَا نَزَلَ بِكُمْ فِي زَرْعِكُمْ [وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ. وَقِيلَ تَنْدَمُونَ عَلَى نَفَقَاتِكُمْ] (٤) وَهُوَ قَوْلُ يَمَانٍ نَظِيرُهُ: "فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا" (الْكَهْفِ -٤٢) وَقَالَ الْحَسَنُ: تَنْدَمُونَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْكُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ تِلْكَ الْعُقُوبَةَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تَتَلَاوَمُونَ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: تَحْزَنُونَ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ تَلَهُّفٌ عَلَى مَا فَاتَ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: "تَفَكَّهَتْ" أَيْ: تَنَعَّمَتْ وَ"تَفَكَّهَتْ" أَيْ: حَزِنَتْ. {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ "أَئِنَّا" بِهَمْزَتَيْنِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ عَلَى الْخَبَرِ، وَمَجَازُ الْآيَةِ: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ وَتَقُولُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ لَمُولَعٌ بِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
(١) أخرجه الطبري: ٢٧ / ١٩٧، وزاد السيوطي في الدرالمنثور: ٨ / ٢٣عزوه لعبد بن حميد وابن المنذر.(٢) انظر: البحر المحيط: ٨ / ٢١١، القرطبي: ١٧ / ٢١٧.(٣) انظر: القرطبي: ١٧ / ٢١٧.(٤) ما بين القوسين ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute