[وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يُكَلَّفُونَ ارْتِقَاءَ جَبَلٍ مِنْ حَدِيدٍ فِي النَّارِ] (١) وَالْكَلَامُ خَرَجَ عَلَى "الْوُجُوهِ" وَالْمُرَادُ مِنْهَا أَصْحَابُهَا.
{تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (٤) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦) }
{تَصْلَى نَارًا} قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَأَبُو بَكْرٍ: "تُصْلَى" بِضَمِّ التَّاءِ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ: "تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ" [وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ {نَارًا حَامِيَةً} قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَدْ حَمِيَتْ فَهِيَ تَتَلَظَّى عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ.
{تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} مُتَنَاهِيَةٍ فِي الْحَرَارَةِ قَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهَا جَهَنَّمُ مُنْذُ خُلِقَتْ، فَدُفِعُوا إِلَيْهَا [وِرْدًا] (٢) عِطَاشًا. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَوْ وَقَعَتْ مِنْهَا قَطْرَةٌ عَلَى جِبَالِ الدُّنْيَا لَذَابَتْ. هَذَا شَرَابُهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ طَعَامَهُمْ فَقَالَ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ: هُوَ نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ لَاطِئٍ بِالْأَرْضِ، تُسَمِّيهِ قُرَيْشٌ الشَّبْرَقَ فَإِذَا هَاجَ سُمَّوْهَا الضَّرِيعَ، (٣) وَهُوَ أَخْبَثُ طَعَامٍ وَأَبْشَعُهُ. وَهُوَ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا تَقْرَبُهُ دَابَّةٌ إِذَا يَبِسَ.
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ "الضَّرِيعَ" الشَّوْكُ الْيَابِسُ الَّذِي يَبِسَ لَهُ وَرَقٌ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ شَوْكٌ مِنْ نَارٍ (٤) وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "الضَّرِيعُ: شَيْءٌ فِي النَّارِ [شِبْهُ] (٥) الشَّوْكِ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، وَأَنْتُنُّ مِنَ الْجِيفَةِ، وَأَشَدُّ حَرًّا مِنَ النَّارِ" (٦) .
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَالْحَسَنُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرْسِلُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعَ حَتَّى يَعْدِلَ عِنْدَهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِالضَّرِيعِ، ثُمَّ يَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ، فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ الْغُصَصَ فِي الدُّنْيَا بِالْمَاءِ، فَيَسْتَسْقُونَ، فَيُعْطِشُهُمْ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يُسْقُونَ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ شَرْبَةً لَا هَنِيئَةَ وَلَا مَرِيئَةَ، فَلَمَّا أَدْنَوْهُ مِنْ وُجُوهِهِمْ، سَلَخَ جُلُودَ وُجُوهِهِمْ وَشَوَاهَا، فَإِذَا وَصَلَ إِلَى بُطُونِهِمْ قَطَعَهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ جَلَّ: "وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ" (٧) (مُحَمَّدٍ-١٥) .
(١) ما بين القوسين ساقط من "أ".(٢) في "أ" وردوا.(٣) أخرجه الطبري: ٣٠ / ١٦١-١٦٢.(٤) أخرجه الطبري: ٣٠ / ١٦٢.(٥) في "ب" يشبه.(٦) عزاه صاحب الدر المنثور: ٨ / ٤٩٢-٤٩٣ لابن مردويه بسند واه.(٧) عزاه السيوطي في الدر المنثور: ٨ / ٤٩٢ لابن مرديه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute