قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: هُوَ سَوْقُ الْمَقَادِيرِ إِلَى الْمَوَاقِيتِ (١) . وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: كُلُّ يَوْمٍ لَهُ إِلَى الْعَبِيدِ بر جديد ١٤٨/أ.
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٢) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣) }
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ} ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: سَيَفْرُغُ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ: "يَسْأَلُهُ من في السموات وَالْأَرْضِ"، "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ" "وَلَهُ الْجَوَارِ" فَأَتْبَعَ الْخَبَرَ.
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْفَرَاغُ عَنْ شُغْلٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، وَلَكِنَّهُ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى [لِلْخَلْقِ] (٢) بِالْمُحَاسَبَةِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لَأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ، وَمَا بِهِ شُغْلٌ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَإِنَّمَا حَسُنَ هَذَا الْفَرَاغُ لِسَبْقِ ذِكْرِ الشَّأْنِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: سَنَقْصِدُكُمْ بَعْدَ التَّرْكَ وَالْإِمْهَالِ وَنَأْخُذُ فِي أَمْرِكُمْ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِلَّذِي لَا شُغْلَ لَهُ: قَدْ فَرَغْتَ لِي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَ أَهْلَ التَّقْوَى وَأَوْعَدَ أَهْلَ الْفُجُورِ، ثُمَّ قَالَ: سَنَفْرُغُ لَكُمْ مِمَّا وَعَدْنَاكُمْ وَأَخْبَرَنَاكُمْ، فَنُحَاسِبُكُمْ وَنُجَازِيكُمْ وَنُنْجِزُ لَكُمْ مَا وَعَدْنَاكُمْ، فَيُتِمُّ ذَلِكَ وَيَفْرُغُ مِنْهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ.
{أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} ، أَيِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، سُمِّيَا ثَقَلَيْنِ لِأَنَّهُمَا ثِقَلٌ عَلَى الْأَرْضِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا"، (الزَّلْزَلَةِ-٢) وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: كُلُّ شَيْءٍ لَهُ قَدْرٌ وَوَزْنٌ يُنَافَسُ فِيهِ فَهُوَ ثِقَلٌ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي" (٣) فَجَعَلَهُمَا ثَقَلَيْنِ إِعْظَامًا لِقَدْرِهِمَا.
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ: سُمِّيَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ ثَقَلَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُثْقَلَانِ بِالذُّنُوبِ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا} ، أَيْ تَجُوزُوا وَتَخْرُجُوا،
(١) انظر زاد المسير: ٨ / ١١٤.(٢) في "أ" للمخلوق.(٣) أخرجه الإمام أحمد: ٣ / ١٤، ١٧. راجع صحيح الجامع رقم: (٢٤٥٧) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute