{فَكَذَّبَ وَعَصَى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (٢٢) فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) }
{فَكَذَّبَ} بِأَنَّهُمَا مِنَ اللَّهِ {وَعَصَى} {ثُمَّ أَدْبَرَ} تَوَلَّى وَأَعْرَضَ عَنِ الْإِيمَانِ {يَسْعَى} يَعْمَلُ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ. {فَحَشَرَ} فَجَمَعَ قَوْمَهُ وَجُنُودَهُ {فَنَادَى} لَمَّا اجْتَمَعُوا. {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} فَلَا رَبَّ فَوْقِي. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ الْأَصْنَامَ أَرْبَابٌ وَأَنَا رَبُّكُمْ وَرَبُّهَا. {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: عَاقَبَهُ اللَّهُ فَجَعَلَهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأَوْلَى، أَيْ فِي الدُّنْيَا بِالْغَرَقِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ (١) .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَرَادَ بِالْآخِرَةِ وَالْأُولَى كَلِمَتَيْ فِرْعَوْنَ قَوْلَهُ: "مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي" (الْقَصَصِ-٣٨) وَقَوْلُهُ: "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" وكان بينهما ١٨٤/ب أَرْبَعُونَ سَنَةً (٢) . {إِنَّ فِي ذَلِكَ} الَّذِي فُعِلَ بِفِرْعَوْنَ حِينَ كَذَّبَ وَعَصَى {لَعِبْرَةٌ} لَعِظَةٌ {لِمَنْ يَخْشَى} اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ خَاطَبَ مُنْكِرِي الْبَعْثِ فَقَالَ {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} يَعْنِي أَخَلْقُكُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ أَشَدُّ عِنْدَكُمْ وَفِي تَقْدِيرِكُمْ أَمِ السَّمَاءُ؟ وَهُمَا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَاحِدٌ، كَقَوْلِهِ "لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ" (غَافِرٍ-٥٧) ثُمَّ وَصَفَ خَلْقَ السَّمَاءِ فَقَالَ: {بَنَاهَا} {رَفَعَ سَمْكَهَا} سَقْفَهَا {فَسَوَّاهَا} بِلَا شُطُورٍ [وَلَا شُقُوقٍ] (٣) وَلَا فُطُورٍ. {وَأَغْطَشَ} أَظْلَمَ {لَيْلَهَا} وَالْغَطْشُ وَالْغَبْشُ الظُّلْمَةُ {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} أَبْرَزَ وَأَظْهَرَ نَهَارَهَا وَنُورَهَا، وَأَضَافَهُمَا إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّ الظُّلْمَةَ وَالنُّورَ كِلَاهُمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ. {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ} بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ {دَحَاهَا} بَسَطَهَا، وَالدَّحْوُ الْبَسْطُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ بِأَقْوَاتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْحُوَهَا قَبْلَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ
(١) انظر الطبري: ٣٠ / ٤٢.(٢) انظر الطبري: ٣٠ / ٤١.(٣) ساقط من "ب".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute